دليلك العملي لاحتراف التدوين

مع التطور الرقمي الذي أضحى يُلقي بظلاله على شتى مجالات حياتنا يومًا بعد يوم، فإن غالبيتنا أصبح يعتمد على الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والحواسيب المحمولة لأداء أعماله أو ممارسة اهتماماته اليومية، ويُلاحظ أن كتابة المحتوى عمومًا من بين المجالات الرئيسية التي تأثرت بهذا التطور، فلم تعد الصحف والمجلات الورقية اليوم قادرةً على منافسة المدونات الرقمية.

ما جعل العديد من الكُتّاب والمدونين المبدعين يمارسون أنشطتهم الكتابية في مواقع أو مدونات رقمية، بل لجأ بعضهم إلى إنشاء مدونته الخاصة لنشر أفكاره واهتماماته بأريحيةٍ تامة دون تقييد.

جدول المحتويات:

تتيح المدونات الرقمية فرص وصول أوسع لجمهورك المهتم دون بذل جهد مالي كبير مقارنةً بتأسيس صحيفة أو مجلة ورقية، كما تجلب عائدات ربح أكثر من خلال الأدوات المساعدة في تحسين محركات البحث، وخدمات الترويج التي توفرها منصات التواصل الاجتماعي. وقبل أن نتطرق إلى سؤال كيف تصبح مدونًا مستقلًا وتؤسس مدونتك الخاصة، فلا بد من التعرف على ماهية التدوين وطبيعة عمل المدون، وغيرها من النقاط في مجال كتابة المحتوى على الإنترنت.

ما هو التدوين الرقمي؟

يُعرّف التدوين الرقمي باختصار، بأنه نوع من أنواع مواقع الويب الذي يركز بشكلٍ أساسي على المحتوى المكتوب أو ما بات يُعرف شائعًا باسم منشورات المدونة، وتتوافر في الإنترنت الآلاف من المدونات الرقمية باختصاصاتٍ متنوعة أو مدونات المشاهير والكُتّاب المبدعين، وعادةً ما يكتب المدونين بدافع ومنظور شخصي حول قضية أو رأي معين ما يسمح لهم بالاتصال المباشر مع قرائهم.

وتتميز غالبية المدونات الرقمية بإضافة قسم للتعليقات أسفل التدوينة مباشرةً، حيث تتيح لجمهورك التواصل معك للرد على استفساراتهم حول نقطة ما في المقال الذي نشرته. إذ يساعد التفاعل المستمر مع زوارك بقسم التعليقات على تعزيز العلاقة بينك وبين القارئ من جهة الثقة والولاء، ما يترتب عليه زيارات متكررة لمدونتك وزيادة فرص ظهورها في أولى صفحات محركات البحث.

ما هي طبيعة عمل المدون

المدون هو شخص يكتب تدوينات لجهة ما تستهدف من خلالها جمهور مهتم بمجال أو اختصاصات معينة، ويعمل بعض المدونين بدوام جزئي، بينما يفضل البعض ممن ليس لديهم ارتباطات وظائف أو أعمال حرة، العمل بداوم كامل.

كما يمكن للمدونين أيضًا العمل في مشاريع مستقلة من خلال كتابة مواضيع محددة للعملاء وإرسالها لهم لغرض المراجعة النهائية، وبعدها يتلقون أجورًا مقابل المواضيع التي كتبوها، كما توجد اختصاصاتٍ أخرى للمدونين المستقلين يستطيعون من خلالها تقديم خدمات إضافية للعملاء مثل:

  • البحث عن الكلمات الرئيسية أو المفتاحية.
  • كتابة محتوى متوافق مع محركات البحث SEO.
  • استشارات تحسين محركات البحث.
  • نشر المقالات على مدونة العميل مع التحديث الدوري.
  • كتابة دراسات الحالة.

يُساعد هذا التنوع في خدمات المحتوى على تعددية مصادر دخل المدون المستقل وتكوينه لشبكة كبيرة من العملاء للعمل معهم في مشاريع مستقبلية داخل منصات العمل الحر، كما في منصة خمسات أكبر سوق عربي لبيع وشراء الخدمات المصغرة.

ما الفرق بين المدون والكاتب؟

مع أن التشابه كبير في الأدوار بين الاثنين، فإنه قد يتبادر إلى ذهنك عزيزي القارئ سؤالٌ عن الفرق بين المدون والكاتب، لأنهما من الممكن أن يكتبا المحتوى نفسه، فما يميز المدون هو أنه أكثر من مجرد كاتب وذلك لقدرته على إنشاء مدونة خاصة به والترويج لمحتواها على منصات وسائل التواصل الاجتماعي دون الحاجة إلى العملاء، كما يتميز عن الكاتب بقدرته الإبداعية على الكتابة وصياغة الأفكار التي تترك أثرًا ملموسًا في نفوس القرّاء.

ما هي مواصفات المدون الناجح؟

بعد أن تعرفنا إلى التدوين وطبيعة عمل المدون والفرق بينه وبين الكاتب، فلا بد من التطرق إلى أهم مواصفات المدون الناجح، التي تميزه عن بقية المدونين في إنشاء محتوى إبداعي ومميز للقراء.

1. الشغف

يعد الشغف أهم ركيزة في عالم التدوين، لأنه المحرك الرئيسي لاستمرارية حماس المدون حتى في أحلك الظروف، وليس من المستغرب أن يلاحظ القراء عند قراءة مواضيعك أنك تكتب في مجال لا تهواه أو لا تقرأ عنه كثيرًا، ما يحد من تفاعل الجمهور مع مقالاتك، ما يؤثر سلبًا على مردود إنتاجيتك شيئًا فشيئًا، فالكتابة في موضوع تعرفه جيدًا أهون عليك ألف مرة من أن تكتب في مجالٍ غريب عليك.

إذا كنت تسعى لتطوير مستواك الكتابي أو تحسين زيارات مدونتك، فلا بد من أن تحب ما تكتب عنه، وأسهل طريق لهذا الباب هو أن تطرح على نفسك هذا السؤال: ما هو المجال الكتابي الذي لا أمل من الكتابة عنه حتى لو بلغت من العمر عتيًّا؟ فحينها ستوقد شعلة التدوين المستمرة بداخلك.

وللتأكد من اختيار موضوع مثير لتدوينتك، يمكنك إجراء تمرين بسيط من خلال كتابة 10 أفكار لمواضيع عدّة، إذ يساعد هذا النوع من التمارين على ضمان شغفك بالمواضيع التي اخترتها وعدم نفاد الأفكار والمقترحات من جعبتك.

2. الخبرة

الركيزة الثانية التي تعد من أهم مواصفات المدون الناجح هي عامل الخبرة، من الطبيعي أنه إذا كانت لديك خلفية واسعة في مجال تقرأ وتكتب كثيرًا عنه، سيساهم ذلك في إثراء وزيادة جاذبية محتواك لدى القراء.

كما أن استخدام قواعد وأساسيات الكتابة الصحيحة من نحو وصرف مع الوصف الإبداعي والعناوين الجاذبة يؤدي إلى تحريك مشاعر القراء، وانشغالهم بقراءة مقالك بصرف النظر عن طوله أو قصره، فإن كنت مدونًا متمرسًا سيختصر عليك نصف الطريق لإنشاء محتوى متميز.

3. تنظيم الوقت

تنظيم الوقت لا يقل أهمية عن الركيزتين السابقتين، فالمدون الناجح هو الذي يعرف كيف يدير وينظم وقته، بحيث لا تتداخل أوقات تفرغه للكتابة مع أعمالٍ أو مهام أخرى، خصوصًا إن كان يكتب في أكثر من موقع ما يتطلب منه تخطيط جدول خاص للأعمال.

إن مفهوم إدارة الوقت ليس بالأمر السهل تطبيقه في الواقع، لكن إن أصبحت الفوضوية عادة يومية مستمرة معك، فحينها لا بد من أن تكون صارمًا مع الآخرين في أوقات عملك الخاص، فاستهلاك النفس بالمهام اليومية العشوائية تؤثر على جودة المحتوى الذي تكتبه، لأنك ستحاول بقدر الإمكان إنهاء العمل في وقته المحدد.

4. أخلاقيات المهنة العالية

المدونون الناجحون هم من يتمتعون بأخلاقيات مهنية عالية، ما يجعلهم أشخاصًا صادقين مع أنفسهم قبل محرريهم أو مشرفيهم، بدءًا من الالتزام بقواعد وشروط الجهة التي يكتب لصالحها، انتهاءً بتسليم المشاريع في جداولها الزمنية المحددة.

وعادةً ما يكونون مدفوعين بالتحفيز الذاتي، فلا يرون العائد المادي مؤثرًا على جودة أدائهم الكتابي، مما يجعلهم مؤهلين لإنشاء مدونات خاصة بهم، يكتبون بداخلها محتوىً رائعًا للقراء دون أن يتقاضوا أجرًا أو استكتابًا مدفوعًا لأشهرٍ أو بضع سنوات، لأن حصد ثمار النتائج سيأتي على المدى الطويل.

5. شبكة علاقات قوية مع المؤثرين

من بين المواصفات الأساسية هي قدرته على تكوين شبكة علاقات قوية بالمؤثرين في مجال كتابة المحتوى، فحتى لو كان المدون بارعًا في المجال الذي يكتب عنه، فإنه يحتاج إلى ترويج مقالاته لتصل إلى أكبر قدر من القراء المهتمين، ولا سبيل لذلك إلا من خلالهم، لأنهم سيساعدونك على تعزيز المصداقية لك ولمدونتك.

تستطيع التواصل مع هؤلاء المؤثرين عبر البريد الإلكتروني أو صفحاتهم الشخصية على وسائل التواصل الاجتماعي، لترويج المحتوى الذي تكتبه عبر شبكاتهم الاجتماعية، كما يمكن لهؤلاء المؤثرين أيضًا أن يُبدو آرائهم وملاحظاتهم في كتاباتك، أو حتى المساهمة في تطوير مدونتك الخاصة.

6. تحسين محركات البحث أو السيو

المدونين الذين لديهم الخبرة الجيدة في تحسين محركات البحث لمقالاتهم بالتأكيد يتميزون عن غيرهم في الاستهداف الفعال للقراء المحتملين معتمدين على قوة الكلمة المفتاحية في المقال، ما يساعد على الوصول لأكبر عدد من القراء في فترة زمنية قصيرة.

فإذا كنت ممن يفضلون الربح من التدوين من خلال تقديم مساحات إعلانية مثل إعلانات جوجل، أو تقديم منتجاتٍ تجارية، فلا بد من إتقانك لمهارة تحسين محركات البحث.

7. التفاعل مع المدونين الآخرين

يُعد مجتمع المدونين من أكثر المجتمعات نشاطًا على منصات التواصل الاجتماعي سواء على فيسبوك أو تويتر أو لينكد إن وغيرها، لغرض البحث عن أفكار ومقترحاتٍ جديدة أو الاطلاع على مقالات الآخرين من الزملاء أو مدونات أخرى.

فإذا كنت تتفاعل مع مواضيعهم بصورة منتظمة مع إبداء رأيك أو ملاحظاتك في تعليق لطيف، فإنه سينعكس على مقالاتك من خلال لفت انتباههم، الأمر الذي يمكّنك من بناء شبكة علاقات واسعة معهم للاستفادة من تجاربهم وخبراتهم وتفاعلهم المستمر مع المحتوى الذي تنشره. يمكنك الاستفادة من النقاشات الثرية التي تجدها في مجتمع حسوب حول الكتابة وصناعة المحتوى وغيرها من المواضيع الأخرى.

8. مساعدة وتقدير الآخرين

ما يميز المدون الناجح ليس فقط عرض خبراته في مجال كتابة المحتوى الذي تخصص فيه، بل أن يصل صداه إلى أكثر من ذلك، إذ إن مساعدة وتقدير الآخرين يعدّان أيضًا من بين السمات الأساسية للمدون المميز.

فاستقطاع بعضًا من وقتك كل يوم للرد على أسئلة واستفسارات القراء والمتابعين التي تصلك سواء عبر بريدك الإلكتروني أو صفحات التواصل الاجتماعي أو من خلال المدونة ذاتها، كفيل بأن يترك انطباعًا إيجابيًا عنك من قِبل المتابعين والمهتمين بهذا المجال، فالتدوين أكثر من مجرد محاولة لكسب المال والمنفعة الشخصية.

حظوظ المدونين في سوق العمل الحر

يعد عام 2020 والعام الحالي هما عامي العمل عن بُعد بجدارة، إذ فرضت جائحة كورونا على الشركات والمؤسسات حول العالم واقعًا جديدًا لم يألفه الموظفين من قبل. فقد أصبح العمل من المنازل إلزاميًا في الكثير من البلدان خصوصًا في فترة موجة الفيروس العاتية التي ضربت غالبية دول العالم، بل وصل الأمر إلى تسريح الكثير من الموظفين، بسبب خسائر ومديونيات الشركات الصغيرة الناتجة عن توقف أنشطة أعمالها وعدم مرونتها مع الواقع الجديد.

على الجانب الآخر، فإن العمل الحر عبر الإنترنت شهِد إقبالًا كبيرًا في فترة الجائحة للأسباب المذكورة آنفًا. وبالنظر إلى أن الكثيرين يقضون أوقاتهم على الإنترنت بسبب ملل الحجر المنزلي وتوقف الحركة والأنشطة في الأماكن العامة والمحال التجارية، فإن معدلات زيارات المواقع الموجودة على الويب شهدت زيادات كبيرة بمختلف مجالاتها من بينها المدونات الرقمية.

وبحسب موقع statista المتخصص في بيانات السوق والمستهلكين، فقد كان عدد المدونين في الولايات المتحدة عام 2016 نحو 27.4 مليون، بينما وصل عددهم خلال العام الماضي إلى نحو 31 مليون، ما مثّل زيادة بنسبة 14% في ست سنوات فقط.

ومع وجود قرابة 1.88 مليار موقع على الويب وأكثر من 600 مليون مدونة نشطة في عام 2021، فإنه من الطبيعي وصول أعداد المدونين إلى مئات الملايين بجميع بلدان العالم، كما أن التركيز المتزايد على التجارة الرقمية والتسويق الإلكتروني من قِبل العديد من الشركات في كل عام، يتطلب منها إنشاء المدونات لزيادة الوعي بالعلامة التجارية وبناء الروابط مع العملاء.

4 نصائح لتصبح مدونًا مستقلًا محترفًا

بعد أن تعرفنا إلى قيمة التدوين في سوق العمل الحر وأهميته للشركات والمؤسسات التجارية التي تدير أعمالها عبر الإنترنت، والإقبال المتزايد على هذا المجال في كل عام، سنسلط الضوء على أهم النصائح التي يمكن أن تساعدك لتصبح مدونًا مستقلًا:

1. اختيار النيتش المناسب لك

عندما يكون الشخص جديدًا في مجال المدونات، فإن أول خطوة لا بد من القيام بها هو اختيار Niche يبرع فيه بناءً على المعرفة التي يمتلكها حول كتابة محتوى معين، من المهم جدًا أن تختار تخصص واحد فقط من بين هذه التخصصات، لأنها تساعدك في التفرّد وتجعلك متخصصًا بارعًا مقارنةً بالآخرين غير المتخصصين، وقد أفردنا بعض الخطوات العملية بالأسفل لتساعدك في كيفية اختيار التخصص المناسب سواء لمدونتك أو المنصة التي تعمل لديها.

2. إنشاء مدونة

يلجأ الكثيرون من كُتّاب المحتوى الجدد إلى إنشاء مدوناتهم الخاصة عندما لا يجدون فرصة للعمل في إحدى مواقع المحتوى، بالتالي ستكون الفرصة مواتية مستقبلًا لتكوين شبكة كبيرة من القراء المحتملين لمدوناتهم إن كانوا مهتمين بالكتابة الإبداعية، أو جذب الكثير من العملاء المحتملين للعمل في مشاريع خاصة معهم -خاصةً إن كانوا يقدمون خدمات الكتابة والترجمة- ما يوفر طريقة سهلة للاتصال بهم.

وبفضل تطور مجال تصميم المواقع، أصبحت العديد من المنصات على الإنترنت تقدم قوالب بلوجر جاهزة لكافة المجالات أو الاختصاصات التي يكتب عنها المدونين، إذ لا تحتاج منك سوى تصميم موقع على ووردبريس ومن بعدها اختيار القالب الملائم لاختصاص مدونتك، والبدء في الكتابة فورًا. وتتوفر داخل منصة خمسات، أكبر سوق عربي لبيع وشراء الخدمات المصغرة، قسمًا كاملًا لخدمات برمجة وتطوير المواقع.

3. بناء ملف خاص لأعمالك

بناء ملف خاص لنماذج أعمالك في المحتوى الذي تكتب عنه يُساهم في تعزيز فرصك للعمل في المدونات الرقمية الشهيرة، أو العمل في قسم الكتابة والترجمة بإحدى منصات العمل الحر.

وتشمل نماذج الأعمال روابط لمقالات نشرتها سابقًا على وسائل التواصل الاجتماعي أو رابط مدون مساهم في أحد مواقع كتابة المحتوى، أو ملف عمل مدفوع الأجر، وغيرها من النماذج التي تُعطي فكرة عامة عن أسلوب كتاباتك.

وحتى إذا لم تتوافر نماذج لعينات حالية من مقالاتك، يمكنك استخدام مدونتك الخاصة للغرض نفسه، فهي تُعدّ سيرة ذاتية لك.

4. الاستفادة من شبكات التواصل الاجتماعي

مع تعقيدات الأحداث والسبق الإعلامي في تداول الأخبار وكتابة المواضيع، أصبح استخدام وسائل التواصل الاجتماعي مثل فيسبوك وتويتر ولينكد إن بالنسبة للمدون لا غِنى عنه أبدًا، فهي تساعدك على:

  • مواكبة الأخبار والمواضيع الجديدة المرتبطة بمجال تخصصك الكتابي في شتى منصات المحتوى حول العالم.
  • نشر مقالاتك لجمهورك المستهدف.
  • مقابلة أناس جدد في عالم التدوين والتفاعل مع مواضيعهم.
  • التعلم واكتساب الخبرة من المدونين المخضرمين في مجالك.

نلفت الانتباه أيضًا، إلى وجود منصات أخرى تساعدك على تنظيم المواقع المفضلة لديك في مكانٍ واحد، ومواكبة آخر الأخبار عنها لحظة بلحظة مثل خدمة جوجل نيوز وتطبيق فيدلي سواء على الهاتف أو الحاسوب.

كيفية اختيار النيتش المناسب لك

ذكرنا سابقًا أنه من بين السمات الأساسية للمدون الناجح هو وجود حبه وشغفه بالمجال الذي يكتب عنه، لكن هذه الركيزة لا تكفي وحدها في عالم التدوين الرقمي. إذ إن المفتاح الأساسي لـ إنشاء مدونة ناجحة هو اختيار Niche مناسب، ما يسهّل عليك كثيرًا في استهداف أكبر قدر من القراء المحتملين لمدونتك، ويساعدك أيضًا على تجنب المنافسة مع المواقع الكبيرة حتى لا تتعرض إلى الهزائم نظرًا إلى حجم وعمر مدونتك.

ومن الملاحظ أن الكثير من المدونين يشتكون من ضعف وصول محتوى مدوناتهم إلى القراء، على الرغم من جودة المحتوى، إذ تعود هذه المشكلة بشكل رئيسي إلى اختيار نيتش لا يبحث عنه بمحركات البحث إلا فئة قليلة من القراء، تلك التي لا تُحدِث فرقًا أو تأثيرًا ملحوظًا لمدونتك في التنافس مع المدونات الناشئة الأخرى.

لذا سنتطرق إلى نصائح عملية خطوة بخطوة حول كيفية اختيار التخصص المناسب لمدونتك للمساعدة في إنشاء حركة مرور أكبر والوصول لأكبر عدد من القراء المحتملين:

1. إجراء بحث سريع في المجال الذي تكتب عنه

بعدما تعرفت إلى شغفك بالمجال الذي تحب الكتابة فيه وهو ما تطرقنا إليه سابقًا، تأتي الخطوة الثانية وهي التأكد من أن المحتوى الذي تكتبه له سوق كبير ومربح لمدونتك، وأسهل طريقة لذلك هو إجراء بحث تحليلي سريع للموضوع على محركات البحث. لنفترض أنك تكتب في مجال ريادة الأعمال بالمنطقة العربية، وتريد التعرّف عن ما إذا كانت المواضيع في هذا النيتش لها جمهور كبير في جوجل ومدى قوة المنافسة عليها.

يمكنك القيام بهذا الإجراء البسيط عن طريق استخدام أداة جوجل ترينز، ومن ثم النقر لتظهر لك الصفحة كما في الصورة أدناه، بعدها اكتب في شريط البحث مثلًا، كلمة سويفل -شركة مصرية ناشئة متخصصة في النقل بالحافلات- لمعرفة ما إذا كان لها اهتمام ورواج بين القراء وعدد الأشخاص الذين يبحثون عنها.

كيف تصبح مدون محترف| الصفحة الرئيسية لأداة جوجل تريندز

مثلما ترى في الصورة، فإن الرسم البياني الخاص بالبحث عن كلمة سويفل داخل دولة مصر بلغ أعلى زيادة له على مدار الخمس سنوات الماضية في شهر يوليو/ تموز الماضي بالتزامن مع اقتراب إدراج الشركة في بورصة ناسداك وهي في ارتفاع حاليًا، ما يعني أن هذه الكلمة سيكون لها حركة بحث واسعة بما يكفي داخل مدونتك المتخصصة بريادة الأعمال لسنوات عديدة.

الرسم البياني لبحث سويفل في الخمس سنوات الماضية في دولة مصر

2. اختيار نيتش مناسب للمنافسة

بعد معرفتك بأن الكلمة لها حركة بحث واسعة، تأتي الخطوة المهمة وهي البحث المباشر في محرك جوجل عن كلمة سويفل، لمعرفة عدد نتائج البحث للمواضيع التي تحمل هذه الكلمة.

ستجد كلمة سويفل لها بحث واسع النطاق في جوجل بالنظر إلى عدد نتائج البحث، بالتالي لا يمكن استهدافها بهذه الطريقة، إذ تعرّضك للتنافس المباشر مع الكثير من المواقع، ما قد يضر وصول محتوى موضوعك للقراء المحتملين، لهذا يتوجب عليك اختيار كلمات مناسبة أخرى غير هذه الكلمة.

عدد نتائج البحث عن سويفل في أقل من ثانية

عند تمرير صفحة البحث الأولى من جوجل إلى الأسفل يُلاحظ وجود بعض الجمل ذات الصلة ببحث سويفل مثل: العمل مع سويفل، خطوط سويفل محافظات، كابتن سويفل… وغيرها.

الجمل ذات الصلة ببحث كلمة سويفل

اختر واحدة من هذه الجمل الملائمة لفكرة الموضوع الذي تود الكتابة عنه، ثم توجه إلى أداة مخطط الكلمات الرئيسية من جوجل لمعرفة عدد الأشخاص الذين يبحثون عن هذه الجملة في كل شهر.

أداة مخطط الكلمات الرئيسية من جوجل

يُلاحظ أن جملة خطوط سويفل محافظات كما موضح في الصورة، يمكن أن تمثل كلمة مفتاحية رائعة داخل التدوينة التي ترغب بكتابتها، إذ تستقبل ما يصل من 1 إلى 100 ألف عملية بحث شهرية على محرك جوجل ولها منافسة منخفضة، كما توجد العديد من مقترحات الكلمات الرئيسية مثل: (محطات سويفل، أرقام شركة سويفل للنقل الجماعي) ما يمكن استهدافها داخل الموضوع الذي تود كتابته.

الجمل ذات الصلة ببحث سويفل في مخطط جوجل للكلمات الرئيسية

3. الربح من خلال الكلمة الرئيسية

إذا كنت تخطط للربح في مدونتك من خلال الكلمات الرئيسية، فهذه الطريقة السهلة مهمة جدًا لك، وتعتمد الفكرة الأساسية لها حول ما إذا كانت هناك شركات أو علامات تجارية شهيرة تنشر إعلانات ذات صلة بكلمتك الرئيسية.

فالعديد من الشركات حول العالم تنفق أموالًا ضخمة على أداة الإعلانات google ads للترويج لمنتجاتهم اعتمادًا على كلمات رئيسية محددة، قد تكون لها صلة بالموضوع الذي تكتب عنه.

على سبيل المثال، تقدم شركة آمازون المتخصصة في التجارة الإلكترونية برنامج شراكة مع المدونات والمواقع لترويج منتجاتها، وتستطيع الانضمام إلى هذا البرنامج بسهولة من خلال تخصيص مساحات إعلانية داخل مدونتك وربح عمولة بنسبة 10% في كل منتج يشتريه أحد زوار موقعك عند النقر المباشر على الإعلان، إضافة إلى أداة جوجل google AdSense للإعلانات المقدمة من شركات ومؤسسات عريضة داخل الويب.

إحصائيات عن التدوين في سوق العمل الحر

بعد أن سلطنا الضوء على أهم النصائح التي يمكن اتباعها حول كيف تصبح مدونًا مستقلًا في مجال تخصصك والخطوات العملية لاختيار النيتش المناسب، حان الوقت للتطرق إلى أبرز الإحصائيات المرتبطة بمجال التدوين لعام 2021.

1. إحصائيات حول التدوين

  • ابتداءً من عام 2021 يوجد في الإنترنت أكثر من 600 مليون مدونة من بين أكثر من 1.88 مليار موقع في الإنترنت اليوم، وهذا الرقم في تزايد مستمر.
  • في الولايات المتحدة وحدها يوجد أكثر من 32 مليون مدون حسب التوقّعات.
  • في كل يوم تُنشر حوالي 7 ملايين من منشورات المدونات.
  • مقالات المدونة التي تحتوي على أكثر من 3,000 كلمة تحصل على نتائج أفضل.
  • %24.2 من الأشخاص يدخلون مجال التدوين لأنهم يريدون العمل لحسابهم الخاص.
  • التدوينات التي تحتوي على 3,000 – 10,000 كلمة تحصل على أكبر عدد من المشاركات.

2. إحصائيات حول منصات التدوين

  • %41 من مواقع الويب مبنية على الووردبريس.
  • يوجد في ووردبريس أكثر من 75 مليون موقع.
  • يوجد في تمبلر أكثر من 527 مليون حساب مدونة.
  • يوجد في بلوج سبوت أكثر من 617 مدونة.
  • يوجد في ويكس أكثر من 200 مليون مستخدم.
  • يوجد في اسكوير سبيس أكثر من 2.6 مليون موقع.

3. إحصائيات حول عادات التدوين

  • أفاد 23% من المدونين أنهم يقضون ما متوسطه 2 إلى 3 ساعات لكتابة منشور مدونة.
  • أبلغ 38% من المدونين الذين يقضون 6 ساعات على الأقل في كتابة منشور مدونة، أنهم يحصلون عن نتائج رائعة.
  • المدونين الناجحين يقضون ما متوسطه 4 ساعات لكتابة تدوينة.
  • يقوم 38% من المدونين بتحديث منشوراتهم القديمة على مدونتهم.
  • عناوين التدوينات التي تحتوي على 8 كلمات على الأقل تتحصل على نقر أفضل بنسبة 21%.
  • عناوين التدوينات التي تحتوي على نقطتين أو فاصلة تتحصل على نقر أعلى بنسبة 9%.
  • حوالي 58% من المدونين يكتبون ما بين 2 لـ 3 عناوين قبل اتخاذ قرار بشأن العنوان الأنسب.
  • يعمل 54% من المدونين مع المحررين، بينما يقوم 46% بتعديل منشوراتهم بأنفسهم.
  • %71 من منشورات التدوينات على ووردبريس مكتوبة باللغة الإنجليزية.
  • %97 من المدونين يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي لتعزيز نتائجهم في مجال التدوين.

4. إحصائيات حول عادات النشر

  • وفقًا لاستطلاع رأي أجراه موقع فيرست سايت جايد، فإن 22% من المدونين ينشرون نحو 2 لـ 3 منشورات مدونة أسبوعيًا.
  • %67 من المدونين الذين ينشرون مرة واحدة في اليوم أبلغوا عن نتائج ممتازة.
  • يفضل الأشخاص في العادة قراءة المدونات من الساعة 7 صباحًا حتى الساعة 10 صباحًا.

مميزات العمل كمدون مستقل

العمل كمدون مستقل لا يعني أنك حصلت على وظيفة الأحلام من جهة الراحة والعائد المادي، إذ يتعين عليك قضاء ساعات طويلة في الكتابة والتدوين المستمرين لتطوير مهاراتك الكتابية، بجانب العمل مع مجموعة واسعة من العملاء، وذلك كله لتحقيق الدخل الذي يتناسب مع مستواك المعيشي. رغم ذلك توجد أيضًا العديد من المميزات التي قد لا تجدها في الوظائف الأخرى، ويمكن أن تحفزك للمضي قدمًا في خوض هذا المجال، منها على سبيل المثال:

أولًا: مجالات لا حصر لها في التدوين

ما يميز بيئة العمل هي أنها لا تحتاج منك شهادة لإجادة اللغة الإنجليزية أو التخرج من إحدى أقسام كلية الآداب، بقدر ما يتطلب من الشخص أن يكون لديه خلفية جيدة عن المجال الذي يكتب عنه مع مراعاة الأساسيات المهمة في كيفية كتابة المقال التي قد تختلف من مدونة لأخرى. ومن بين المجالات العديدة التي يمكنك البدء فيها كمدون مستقل:

  • تقنية المعلومات
  • الأعمال والتسويق
  • التعليم
  • تبسيط العلوم
  • الصحة والطب
  • السياحة والسفر
  • الرياضة واللياقة البدنية

ثانيًا: مديرًا لنفسك في العمل

الكثير منا يحلم بأن يكونوا رؤساء لأعمالهم، لكن هذه الميزة لا توجد إلا في مجالات العمل الحر ومن بينها التدوين المستقل، إذ يتيح للشخص التحكم والمرونة في ضبط مواعيد عمله حسب جدوله اليومي، فمثلًا قد ترغب في زيارة صديقًا لك في الصباح بالتالي تستطيع مواصلة عملك بالفترة المسائية

ويمكن تغيير جدول عملك لساعاتٍ متأخرة من الليل أو حتى في عطلة نهاية الأسبوع في حال حدوث ظرف طارئ، مثل حضور مناسبة لأحد أقاربك أو ممارضة شخص عزيز عليك في المستشفى، كذلك يمكنك أن تطلب من العميل الذي تعمل على مشروع أن يُمدد تاريخ التسليم في مثل هذه الظروف.

ثالثًا: إمكانية زيادة الراتب

ما يميز العمل الحر عمومًا، هو إمكانية زيادة سقف راتبك بالقدر الذي تشاء من خلال توسيع دائرة شبكة عملائك للعمل في مشاريع أكثر، أما على مستوى مجال التدوين فإتقان القليل من أساسيات تحسين محركات البحث والتدقيق اللغوي، يمكن لهما أن يميزاك من بين المئات من المدونين والكُتّاب في زيادة سقف الأجر أكثر، عند نشر وصف خدماتك أو عروضك في المشاريع الخاصة بقسم الكتابة داخل منصات العمل الحر.

رابعًا: التعلم المستمر

لا حدود للتعلم في مجال كتابة المحتوى للمستقلين، ففي كل مشروع جديد يوكل إليك العمل فيه ستتعلم أشياء جديدة تعزز من ذخيرتك المعرفية في مجال التدوين الذي تمتهنه، كما أنك ستلتقي بالعديد من العملاء وزملاء المهنة من مختلف بلدان العالم.

وما يميزه بشكل خاص هو تداخله مع العديد من مجالات العمل الحر الأخرى، فتستطيع أن تتعلم أكثر حول تعلم الكتابة اللغوية الصحيحة والسيو أو حتى دراسة كورسات التسويق عبر وسائل التواصل الاجتماعي، لتتمكن من ترويج خدماتك الكتابية على نطاقٍ أوسع مع العملاء المحتملين في أي مكان حول العالم.

عقبات التدوين المستقل

لا يخلو المجال من الصِعاب والعقبات كحال أي وظيفة أخرى، فحتى إذا امتلكت المهارات الضرورية اللازمة في مجال الكتابة، قد تواجهك بعض التحديات المرتبطة بأسلوب ونمط الحياة مع هذا العمل المستقل. إليك سردًا لأهم تلك العقبات:

أولًا: الأجر قد يكون قليلًا

توجد العديد من منصات أو مجموعات صناعة المحتوى الصغيرة التي تركز على عامل الإنتاجية أكثر من الإبداع، بالتالي فإن فرص العمل بمجال الكتابة متاح لديها، لكن في الكثير من الأحيان يكون الأجر قليل مقارنةً بالمجهود الذي تبذله في إعداد مشاريع العملاء، لأن الطلب يأتي من الجهة التي تعمل لديها فقط. لذا من المهم أن تفكر مليًا في مزايا وسلبيات هذه العروض، ومقارنتها بالتطلعات التي تطمح إليها قبل الشروع بالانضمام.

ثانيًا: التضحية بمميزات الوظيفة التقليدية

عند خوض مجال التدوين المستقل لا بد أن تكون مدركًا أن بعض الامتيازات التي قد تجدها في الوظيفة التقليدية لا تتوافر بمجالات العمل الحر، مثل الراتب الشهري أو التأمين الصحي أو العلاوات أو أجر ما بعد التقاعد وغيرها. إذ سيتوجب عليك إعداد خطة منظمة في إدارة نفقاتك الشهرية من أكل وشرب ورفاهية وتوفير، للحفاظ على سير عملك بالشكل المطلوب.

كما أن العمل بمجال التدوين المستقل لا يسير دومًا بسلاسة، فأحيانًا قد تأتيك عروض مشاريع بأجور عالية لكنها ليست مستمرة، وفي أوقاتٍ أخرى قد لا تتوافر أي عروض لأيام وأسابيع، لذا لا بد من التحسب جيدًا لمثل هذه التحديات.

ثالثًا: العمل بمفردك

توفر بيئة الوظيفة التقليدية التواصل المباشر بين جميع الموظفين لأداء أعمالهم اليومية، بالإضافة إلى خلق جو من المرح في بعض الأحيان كإلقاء مزحة أو تبادل الحديث مع الزملاء لاستعادة النشاط خلال العمل اليومي في المهام الروتينية.

على النقيض من ذلك، فإن خوضك لمجال الكتابة المستقلة تعني العمل بمفردك يوميًا لساعاتٍ طويلة، على الرغم من التواصل المحدود بين الفينة والأخرى -ليس يوميًا- مع العميل أو مشرفك بالعمل، وكل ذلك يتم عن بُعد سواء عبر الهاتف أو الحاسوب الخاص بك.

ختامًا

من الملاحظ أن التدوين المستقل من بين مجالات العمل الحر التي تشهد إقبالًا ملحوظًا في المنطقة العربية كل عام، خصوصًا خلال فترة الجائحة التي أدت لرقمنة الكثير من الأعمال، ومع التحول الرقمي الذي يشهده العالم سنويًا فإن العديد من مواقع التدوين بمختلف الأنشطة أصبحت تركز أكثر على منصات العمل الحر في البحث عن المدونين المهرة لأنشطتهم التي يقدمونها لأكبر عدد من القراء أو العملاء المحتملين.

تم النشر في: الربح من الإنترنت