التسويق العكسي: لا تدعوا العميل إلى الشراء منك

دعنا نأخذ جولة بين الإعلانات التي مرت عليك حتى اليوم، ستجدها في الغالب تحثك بإلحاح على الشراء بتكرار كلمات مثل بادر وسارع ولا تفوت الفرصة، وهو ما يجعل الكثيرون ينفرون من الشراء نتيجة أنهم ببساطة لا يرغبون أن يشعروا بأن هناك من يضغط عليهم ويسوقهم لاتخاذ قرار الشراء، من هنا ظهر مصطلح التسويق العكسي.

ما هو التسويق العكسي؟

يتمثل التسويق العكسي في اللجوء إلى خطاب تسويقي لا يعتمد على دفع العملاء للشراء، إنما يسلك طرقًا أخرى تضع في أولوياتها بناء علاقة راسخة مع العملاء، وتحسين صورة العلامة التجارية، إذ يبحث العميل بنفسه عن الشركة وهو من يبدي اهتمامه بشراء أحد منتجاتها.

من أهم أسس التسويق العكسي حرص الشركة على الاهتمام بتلبية احتياجات عملائها. لذا يُعرف أيضًا بتسويق القيمة بجعل العملاء يختارون الشركة وفقًا لثقتهم بما تقدمه لهم. وتحرص الشركات التي تتبع نهج التسويق العكسي على الابتعاد عن حث العميل على المبادرة إلى الشراء بشكل مباشر، وتخاطبه ببساطة من منطلق كونه متميزًا بطبيعته، وليس أن منتجهم هو ما سيجعله متميزًا كما هو معتاد.

الأمر ببساطة مستمد من علم النفس العكسي الذي يقوم على قاعدة أنه إذا أردت أن يفعل الناس شيئًا فطالبهم ألا يفعلوه، وهي منهجية اتبعتها العديد من الشركات العالمية المرموقة. لكن كيف ينجح التسويق العكسي وما هي تقنياته؟ ذلك ما سنتعرف عليه سويًا.

لماذا يفضل أصحاب الأعمال التسويق العكسي؟

على الرغم من التخوف تجاه استخدام التسويق العكسي إلا أن هناك العديد من الأسباب التي تدفع أصحاب الأعمال للاعتماد عليه، مثل:

1. بناء علاقات وثيقة مع العملاء

يركز التسويق العكسي على بناء علاقات مع العملاء أولًا والتأكد من تلبية رغباتهم واحتياجاتهم، وهي علاقة هدفها ليس الشراء مرة واحدة، وإنما إيجاد عملاء مخلصين لعلامتك التجارية مدى الحياة.

لذا يحرص القائمون على حملات التسويق العكسي على التأكد من تحقيق رضا العملاء، والتعامل مع المشكلات التي تواجههم بشكل فعال، إلى جانب توفير أعلى مستويات الشفافية في قرار الشراء.

2. تحسين صورة العلامة التجارية

تعمل عملية تحسين صورة العلامة التجارية على توضيح المبادئ والمسؤولية الاجتماعية التي تتبناها الشركة من أهم الممارسات التسويقية. ويكون ذلك من خلال الإعلانات التي تُعرض على المنصات المختلفة.

لعلك تتذكر رؤيتك إعلانًا لإحدى الشركات وهي تشارك في بناء مستشفى أو تساهم في شراكة مع مؤسسة خيرية. الهدف من هذه الإعلانات يتمثل في بناء ولاء قوي لدى العملاء يقوم على أساس تقوية شعورهم بأنهم عندما يشترون من تلك العلامة التجارية فهم يدعمون تكتلًا مجتمعيًا مؤثرًا واسع الانتشار.

3. تجنب استراتيجيات التسويق الإجباري

تركز معظم الشركات جهودها على زيادة المبيعات بطرح خطاب تسويقي تلاحق فيه العملاء المستهدفين بطلب الشراء منهم بإلحاح، وهو ما يترك انطباعًا سيئًا لدى العميل. لكن على عكس ذلك، يركز التسويق العكسي على إثراء حياة العملاء من خلال إخبارهم بكيفية تحقيق أقصى استفادة من المنتجات التي يمتلكونها بالفعل، ودعمهم عند اختيار منتج جديد.

آليات التسويق العكسي

يحتاج التسويق العكسي لعدة آليات تُطبق لتحقق له النجاح، في مقدمتها أن يُصمم المنتج أو الخدمة لفئة فريدة من العملاء وليس للجميع حتى يكون هناك شعور بالتفرد، ويتم اختيار العملاء وفقًا لدراسة أنماطهم المختلفة واختيار العميل الأنسب من بينهم.

بعد ذلك يجب أن يمنح العملاء إمكانية الوصول بشفافية إلى المعلومات الخاصة بآلية عمل الشركة وسياستها ومميزات منتجاتها بموضوعية، من منطلق إيصال إليهم الشعور بالتقدير وأن كل ما يدور في أذهانهم بخصوص المنتجات والخدمات يمكنهم الوصول إلى إجابات صادقة عنه.

ويحرص من يتبعون طريقة التسويق العكسي أن يبنوا علاقات قوية ممتدة مع عملائهم تنمي بداخلهم الولاء للعلامة التجارية. ولا يكون هدفهم مجرد إتمام الصفقة وإنما تحقيق المزيد من التوافق بين احتياجات عملائهم وما يقدمونه لهم، ومساعدتهم على اتخاذ قرارات شراء أفضل. ويساعد في ذلك إتاحة أدوات لمقارنة الأسعار عبر الانترنت، سواءً أكانت مقارنة بين منتجات الشركة أو حتى مقارنتها بمنتجات الشركات المنافسة.

سيكون من المهم أيضًا تذكر أن التسويق العكسي يسعى لتثقيف المستهلكين حول أهمية ووظائف المنتج المطروح للبيع. لذا، في العادة لا يركز في استراتيجيته على إبراز الأسعار لأن أهميتها لا تأتي في المقدمة.

كيف تخطط لحملة تسويق عكسي؟

التخطيط للتسويق العكسي

تتمثل الخطوة الأولى في بناء حملة التسويق العكسي في التقييم الموضوعي الدقيق لصورة الشركة الحالية. وتحديد العملاء المحتملين الذين ترغب في جذبهم ومعرفة ما يحبذوه. فتلك هي العناصر الأساسية التي يُصاغ بناءً عليها المحتوى التسويقي للتواصل مع العملاء بشكل فعال ومؤثر.

ولنضرب مثالًا بإحدى المكتبات التي تريد عمل نشرة إخبارية شهرية لجذب عملائها المستهدفين الذين حددتهم بكونهم يريدون شراء الكتب للتزود المعرفي والاستمتاع بالقراءة. لكن محتوى النشرة لن يكون فعالًا إلا بعد دراسة جيدة متوسعة لهؤلاء العملاء.

الخطوة التأسيسية لحملة التسويق العكسي عمل استبيان على الموقع الإلكتروني للمكتبة وفي فروعها. يسأل عن أنواع الكتب التي يرغب العملاء في قراءتها، والدوافع التي تجعلهم متحمسين لشراء كتاب بعينه، وعدد الكتب المحتمل قراءتها كل شهر. وما إلى ذلك من الأسئلة التي تؤدي جميعها إلى تخطيط حملة ناجحة.

وبعد تحديد العملاء المستهدفين بدقة ومعرفة ما يستهويهم من أنواع الكتب وسلوكهم الشرائي، حينها يمكن تقديم نشرة إخبارية ثرية تصل إليهم مجانًا بعيدًا عن الدعوة إلى القيام بشراء أي شيء أو أي التزام آخر يزعج العميل. حينها ستكون صورة موظفي تلك المكتبة في عيون عملائها أنهم يهتمون بالكتب بنفس درجة اهتمامهم بها وليس من منطلق زيادة المبيعات، وهو ما يبني ثقة تراكمية تزيد من ولاء العملاء.

ومن المهم أثناء تطبيق حملة التسويق العكسي مراقبة استجابة العملاء لها، وتتبع التغييرات التي تطرأ على المبيعات. فإذا لم يكن هناك زيادة في حجم المبيعات لفترة طويلة حينها يجب الوصول إلى الخلل الذي أدى لذلك لعدم الوقوع في فخ إهدار الموارد.

أمثلة للتسويق العكسي

استخدمت العديد من الشركات العالمية التسويق العكسي لترويج منتجاتها، من خلال تحسين صورة علامتها التجارية وبناء علاقة وثيقة مع عملائها وزيادة ولائهم لها، ومن أبرز هذه الشركات:

1. شركة باتاغونيا للملابس

فاجأت شركة باتاغونيا للملابس عملائها في يوم الجمعة البيضاء لعام 2011 بإعلانها الذي يطالب بعدم شرائهم منتجاتها، وتمثل في صورة لجاكيت من إنتاجها كُتبت فوقه بالخط العريض نصيحة بعدم شرائه. ربما يصيبنا ذلك بالحيرة بعض الشيء ولكنه يذكرنا بمقولة لرسام الكاريكاتير التسويقي توم فيشبورن وهي: “أفضل تسويق لا يشعرك بأنه تسويق”.

وقد وضحت باتاغونيا هدفها من ذلك الإعلان غير المتوقع بتأكيدها على أن إنتاج كل قطعة ملابس تؤدي لانبعاث غازات الاحتباس الحراري، وينتج عنها وجود نصف قطعة ملابس أخرى غير مستخدمة، وتتسبب في استهلاك كميات كبيرة من المياه العذبة التي أصبح العالم يواجه مشكلة في وفرتها.

ما يعني في المجمل أن عملية إنتاج الملابس لا تعمل على تحسين حال البيئة. وهذا ما يجعلنا نتفهم منطقية الحملة مع الاندفاع الجنوني على الشراء الذي يحدث في مثل هذا اليوم من كل عام، وهو ما ينتج عنه بالطبع زيادة  النفايات وارتفاع نسبة التلوث.

ساهمت هذه الحملة الإعلانية في إظهار باتوغنيا بوصفها شركة تهتم بالاستدامة واحترام العملاء أكثر من اهتمامها بجني الأرباح وزيادتها. وكانت النتيجة زيادة حجم المبيعات وكذلك الرفع من ولاء العملاء. ولم تكن تلك الحملة حدثًا مؤقتًا فقد حصلت الشركة على جائزة أبطال الأرض من منظمة الأمم المتحدة عام 2019 التي تعد من أسمى الجوائز البيئية.

2. شركة “دوف” لمنتجات العناية الشخصية

كان المعتاد عندما يُعلن منافسي شركة “دوف” عن منتج أن يروجوا له باعتباره يساعد على إخفاء عيوب البشرة أو علاجها. لكن على غير المتوقع أطلقت دوف حملة إعلانية تستهدف التركيز على الجمال الطبيعي لعملائها واحتفت بجمال المرأة الفطري بدلًا من أن تروج لمنتجاتها.

واستعانت دوف في حملتها التسويقية العكسية بنساء جمالهن متوسط ليكون الإعلان أكثر واقعية وقربًا من المستهلك، لتبتعد بذلك عن الحملات التسويقية التقليدية التي تظهر فيها سيدات جمالهن أخاذ. وهو ما جذب المزيد من العميلات إلى الشراء، وحققت الحملة مكاسب تزيد عن مليار دولار أمريكي رغم أنها لم تدعو إلى الشراء بشكل مباشر.

لم يكن ذلك النجاح الذي حققته الحملة عشوائيًا فقد تم التطرق خلالها إلى جوانب نفسية حساسة لدى البشر. فالنسبة الأكبر من النساء غالبًا ما يشعرن بأنهن أقل جمالًا ويصفن ملامحهن بطريقة سلبية. لذا كانت العبارة التسويقية للحملة “أنتِ أجمل مما تعتقدين” فعالة للغاية، ما جعل الإعلان يحقق ردود فعل مؤثرة وصلت إلى حد بكاء بعض النساء عند مشاهدته. وهو ما يؤكد أن التخطيط للحملة الإعلانية قام على أسس صحيحة وصلت إلى حد الدراسة النفسية للفئة المستهدفة.

كيف ينجح التسويق العكسي

يسلك التسويق العكسي طريقًا غير معتادًا فهو يبتعد عن المخاطبة التقليدية للجمهور، ولا يتطرق لمساحة ما الذي يجب فعله، إنما يتجه للتعامل مع المشاعر بشكل إيجابي وقيادة العملاء ليكونوا راضين عن أنفسهم.

وفقًا لخبراء التسويق توجد بعض الاشتراطات لنجاح التسويق العكسي في مقدمتها ألا تكون الشركة وافدة جديدة على السوق. فينبغي أن يكون اسمها راسخًا ومعروفًا على نطاق واسع، بالإضافة إلى تميز منتجاتها عن منتجات المنافسين بكونها عالية الجودة. هناك عدة نصائح تساعدك على زيادة فعالية التسويق العكسي

نصائح تساعد على فعالية التسويق العكسي

  • تجنب استخدام استراتيجية “دفع التسويق”: تعمد هذه الاستراتيجية لعرض المنتجات أمام العملاء ومحاولة إبقائها في أذهانهم لأطول فترة ممكنة باستخدام الحملات الإعلانية والعناوين الجاذبة للانتباه. لكن ما يفيد في التسويق العكسي هو بناء علاقة قوية مع العملاء.
  • لا تشتر بيانات العملاء المحتملين: تعد هذه الطريقة قديمة بعض الشيء، وهي تعمل على محاصرة العميل بالعروض الترويجية من خلال شراء بياناته ومراسلته. لكن الأفضل من ذلك جعل العملاء يصلون إليك بمعرفة قيم شركتك وتحسين صورة علامتك التجارية وسمعة منتجاتك.
  • ابتعد عن استخدام أساليب التخويف: لا تُصدّر إلى عملائك خطاب دعائي فيه عبارات مثل “ستفوتك هذه الفرصة”. فالأكثر فعالية أن توضح لهم مميزات منتجاتك بموضوعية وتدع مهمة الاختيار لهم.
  • احرص على الوفاء بما وعدت: باختصار حتى تنجح في جذب عملاء جدد وتحافظ على ولائهم، افعل دائمًا ما تقول إنك ستفعله في حملاتك الإعلانية أو لا تدرجه من البداية.
  • اعمل على تقديم منتج ذا قيمة للعميل: يحرص التسويق العكسي على تقديم ما يفيد العميل بشكل فعال. لذا كن على دراية دقيقة بمشكلات عملائك حتى لا تقدم لهم منتجات ليس لها جدوى.
  • استخدم أنظمة الاستجابة المباشرة لعملائك: لا تهمل بأي درجة استفسارات عملائك من أجل تعزيز تجربتهم و تشجيعهم على استمرار ولائهم.
  • احرص على تقديم منتجات أو أدلة مجانية: فذلك سيسمح للعملاء بتجربة شيء ربما لم يكونوا قد خطر لهم شرائه.
  • قدم حلولًا لمشكلات عملائك: قد يواجه عملائك بعض الصعوبات والمشكلات في التعامل مع منتجاتك. وهنا يأتي دورك في حلها وإمدادهم بالمعلومات المعرفية التي يحتاجونها لفهم المنتجات بصورة أفضل.

الآن، لا شك أن التسويق العكسي يساهم بشكل جوهري في تحسين صورة العلامة التجارية الخاصة بك، وتقوية العلاقة مع العملاء وزيادة ولائهم. وهو أمر ضروري لترسيخ وجود الشركات في الأسواق.

كتابة: عبد الرحمن أبو الفتوح

تم النشر في: التسويق الإلكتروني