تلخيص كتاب فن الترجمة والتعريب

لا يرتبط فن الترجمة بإجادة لغة أجنبية فحسب، إذ تجري عملية الترجمة وفق أصول وقواعد واستراتيجيات تتأرجح بين لغتين وَجَب أن يحيط بها المترجم عِلمًا وفهمًا، حتى يتمكّن من صياغة ترجمة احترافية غير حَرفيّة ودقيقة غير ركيكة. وهذا هو جوهر ما يتناوله كتاب فن الترجمة والتعريب الذي نحن بصَدد تلخيص أفكاره وأُطروحاته في سياق هذا المقال.

وقد أُنتج كتاب فن الترجمة والتعريب برعاية كل من: شركة حسوب، وهي مجموعة تقنية تستهدف تطوير العالم العربي في مجالات الأعمال والتعليم والتواصل، إذ تدير أكبر منصتي عمل حر في العالم العربي هما منصة مستقل ومنصة خمسات، وأكاديمية حسوب؛ وهي أكاديمية تعليمية تعمل على طرح الدروس والكتب والشروحات والدورات التدريبية لتعليم البرمجة وتأهيل الشباب لدخول سوق العمل.

جدول المحتويات:

نبذة عن المؤلف

مؤلف كتاب فن الترجمة والتعريب هو الكاتب والمترجم الشاميّ عبَّاد ديرانية، أحد المساهمين البارزين في تطوير المحتوى العربي من خلال العديد من المنصات الإلكترونية مثل ويكيبيديا وأكاديمية خان -كمتطوّع- وMIT Technology Review -ككاتب حر- وله ما يصل إلى 25.000 مساهمة بالعربية.

ما الفئة التي يستهدفها كتاب فن الترجمة والتعريب؟

يستهدف كتاب فن الترجمة والتعريب المترجمين المبتدئين الذي يطمحون إلى إتقان الترجمة من الإنجليزية إلى العربية كتابةً وليس العكس، لأن الترجمة من العربية إلى الإنجليزية لها قواعد وأُسس مختلفة لا يتطرّق لها هذا الكتاب، كما لا يتطرّق إلى قواعد الترجمة الشفهية.

ويشير الكاتب ديرانية إلى أن ثمّة مواضع في كتابه تتطلب أن يكون المترجم ذا خلفية عملية بالترجمة ولو لم تكن كبيرة، وهو بذلك يستهدف المترجمون ذوو الخبرة المحدودة الذين يطمحون إلى تطوير خبراتهم من خلال الطّرح الأكاديمي والمنهجي والتطبيقي الذي يسلكه كتابه فن الترجمة والتعريب.

عن الكتاب

يستعرض ديرانية المادة العلمية لكتاب فن الترجمة والتعريب من خلال أحد عشر فصلًا، تطرّق خلالها للجانب النظري الذي يشير إلى العديد من النظريات التي تناولت فن الترجمة بالنقد أو التحليل أو التقويم، ولم يغفل الجانب التطبيقي الذي يتلمّسه مُمتهنو الترجمة بطرح العديد من الأمثلة والنصائح والاستراتيجيات العملية. وفي المحاور التالية نستخلص أفكار هذا الكتاب الثريّ.

مدخل عن اللغة وفن الترجمة

يبدأ الفصل الأول من كتاب فن الترجمة والتعريب بمدخل يتناول فكرة الترجمة من لغة إلى أخرى، وإمكانية ترجمة المعاني اللغوية بين اللغات الإنسانية. ويجادل ديرانية بأنه لا يمكن نقل المعاني بين لغتين بصورة كاملة، ولكن يمكن تقريب المعنى. ويستدل في ذلك بأبحاث علوم اللسانيات والترجمة التي تشير إلى أن “اللغة والمعنى” مرتبطان ارتباطًا وثيقًا، فلكل لغة معانيها المستقلة ذات المرجعية الثقافية والذهنية لمتحدثيها، والتي مهما تقاربت مع لغات أخرى، فلا يمكن أن يكون حدّ التطابق أبدًا.

مثال على ذلك كلمة “سماء” التي تتعدد دلالاتها في اللغة العربية نفسها، فقد تعني سقف الشيء أو السماوات السبع أو كل ما علا وارتفع، وقد يكون مدلولها دينيًا أو علميًا أو عاميًا، وكذلك الحال بالنسبة لكلمتي (heaven) و(sky). إذًا فاللغة الواحدة قد لا تترادف فيها دلالات الكلمة الواحدة، فالأَولى إذًا ألّا تترادف معاني كلمات لغتين بصورة كاملة.

نظرية البنائية اللغوية

نظرية البنائية اللغوية هي نظرية أسَّسها أبو علم اللسانيات الحديث “فرديناند دو سوسير”. وتنص على أن اللغة في الواقع لا تقدّم وصفًا للأشياء على حقيقتها، فما هي إلا إشارات اعتباطية اختلقها الناس بغرض التخاطب، والأمر كله مرهون بمفارقات ذهنية ناتجة عن المقارنة بين الأشياء والموازنة الثنائية بينها.

ويفسِّر سوسير نظريته من خلال ما أطلق عليه الثنائية القطبية (Binary Opposition)، وهي علاقة تعبر عن المقارنات الذهنية التي يعقدها عقلنا بين الأشياء، والتي نحدد على أساسها معناها.

فمثلًا؛ درسنا في مراحل مبكرة من التعليم الجهات الأصلية، وهي الشمال والجنوب والشرق والغرب، وارتبط معنى “الشرق والغرب” إذ ذاك بمدلول جغرافي يشير إلى الجهات. ومع مرور السنوات، وتوالي عقد الموازنات الذهنية تكتسب المصطلحات مدلولات جديدة، فحين نسمع مصطلحي “الشرق والغرب” في النشرات الإخبارية يرتبط ذلك لدينا بمدلول سياسي يشير إلى العالمين الشرقي والغربي، وهو ما لا يرتبط بدلالة جغرافية حرفيًا على أرض الواقع، ولكن هو مدلول ابتدعه البشر بأن كل ما هو شرقي عكس كل ما هو غربي.

ويشير سوسير في سياق نظريته إلى أن اللغة هي ناتج اتحاد “الدالة والمدلول”، فالدالة Signifier هي الصورة الذهنية التي تحضر إلى الذهن عند ذِكر اسم شيء ما مثل: “الكرسي”، فقد يتبادر إلى الذهن مثلًا أنه كرسي خشبي أو معدني أو من الجلد. أما المدلول (Signified) فهو الشيء على حقيقته وهو الكرسي الحقيقي المقصود.

نظرية النسبية اللغوية

نظرية النسبية اللغوية هي نظرية وضعها العالمان “ورف وسابير”، وتنص تلك النظرية على أن اللغة هي المصدر الأساسي لتكوين أفكارنا فضلًا عن صياغتها، فاللغة تمتزج بتفكير الإنسان وترسم صورة العالم من حوله، أي أن كل لغة تمثل وجهات نظر معينة تخص ثقافات معينة تجاه العالم.

وقد تعرضت نظريتي النسبية اللغوية والبنائية اللغوية للنقض بنظريات أخرى، وعلى رأسها نظرية التوليدية اللغوية لصاحبها نعوم تشومسكي، والتي تنص على أن جميع لغات العالم ذات جوهر مشترك، وإنِ اختلفت في القواعد أو النحو أو الصرف، فهو اختلافًا ظاهريًا لا يمسّ الجوهر.

إشكالات بيرمان

إشكالات بيرمان هي قائمة من اثنتي عشرة سمة وضعها عالم اللغة “أنطوان بيرمان”، ليشير إلى الإشكالات والصعوبات التي قد تلتبس على المترجمين في أثناء محاولة نقل المعاني من لغة إلى أخرى، فيضطرون إلى التلاعب بها بقصد أو بدون قصد، مما قد يؤدي إلى طمس لمسة مؤلف النص الأصلي على حساب نقل معنى واضح من خلال الترجمة. وإشكالات بيرمان هي:

  • القواعد
  • الإيضاح
  • التطويل
  • البلاغة
  • التحريف
  • التبسيط
  • القوافي
  • الصرف
  • التناسق
  • الأمثال
  • اللهجة
  • اللغات

ويوضح ديرانية أن الهدف من فلسفة النظريات السابقة ليس الترغيب عن الترجمة أو الترهيب منها، ولكن الهدف هو إعادة تعريف فن الترجمة بأنه عمل يرتكز في معظمه على الإبداع والفن، وليس على قواعد صرفية أو منطقية بحتة.

أنواع فن الترجمة

ليست غاية فن الترجمة نقل النص الأصلي حرفيًا بحذافيره إلى اللغة المستهدفة، وإنما غايته وهدفه الأسمى هو نقل جوهر هذا النص إلى من لا سبيل لهم إلى استيعابه بغير ترجمة. ومن هذا المنطلق، يجادل ديرانية بأن الترجمة عمل نسبي يختلف حسب المترجم الذي يقوم به والجمهور المستهدف الذي سيتلقى الترجمة وإن كانت للنص نفسه. وفي كل مرة يتذوقها الجمهور بطريقة مختلفة، الأمر الذي يجعل فن الترجمة يستحق العناء والجهد الذي يبذله المترجمون حتى تحقق أهدافها.

وعلى الرغم من ذلك، فثمَّة سياقات صحيحة وأخرى خاطئة يجب أن ينتبه لها المترجمون للمفاضلة بين المعاني والمترادفات، لانتقاء الأنسب لسياق النص من بينها. فمثلًا، كلمتي (mouse) أي “جُرَذ” و(rat) أي “فأر” تبدوان مترادفتين للوهلة الأولى، غير أن استخدامهما داخل سياق النص يختلف، فإذا كان سياق الجملة علمي، فإن الترجمة الأمثل هي “جُرَذ”، وإذا كان سياقها أدبيًا فإن الترجمة الأمثل هي “فأر”.

ويشير ديرانية إلى محاولات كثير من الباحثين إلى تقييد فن الترجمة والتعريب بقواعد وقوانين مجردةً من إبداع المترجِم وتدخله في الصياغة، غير أن الأمر انتهى إلى ما انتهى إليه الباحثون المعاصرون، وهو الاتفاق على أن علم الترجمة هو أحد الأعمال الإبداعية التي تمزج ما بين الإبداع والعلم والأدب واللغة. لذا، فالمترجم يحتكم إلى خبرته العلمية واللغوية، ويستند إلى حسِّه الإبداعي في إطار سياق النص الأصلي.

أنواع الترجمة

الترجمة علم متخصص له أنواع يشير إليها كتاب فن الترجمة والتعريب فيما يلي:

أولًا: الترجمة المهنية

تختص الترجمة المهنية بنقل النصوص ذات الصفات المهنية أو الوظيفية مثل: الترجمة القانونية وأدلة استخدام الأجهزة الإلكترونية وغيرها. وتتطلب الترجمة المهنية دقة والتزامًا بالنص الأصلي دون زيادة أو نقصان وتقيُّدًا بمصطلحاته الوظيفية المحددة والواضحة. وللترجمة المهنية أهميتها العملية والتجارية، الأمر الذي جعل الطلب عليها في سوق العمل يتصاعد باستمرار.

ثانيًا: الترجمة العلمية

تستهدف الترجمة العلمية نقل المضمون العلمي والأكاديمي، مثل: المجلات العلمية والمقالات الأكاديمية. وتتميز بوحدة الأسلوب، ولا تتطلب حسًا لغويًا مرهفًا أو تلاعبًا بالألفاظ، بل تتطلب الفهم المعمق للنص الأصلي واستيعابه والدراية الكاملة بمصطلحاته المتخصصة، الأمر الذي قد يحصر مترجميها في كثير من الأحيان على المتخصصين في المجالات العلمية.

ثالثًا: الترجمة الأدبية

تختص الترجمة الأدبية بنقل مضمون الأعمال الفنية والإبداعية بين لغتين، مثل: ترجمة الكتب والروايات والشعر والأدب والبلاغة ونحو ذلك. ولارتباط الأعمال الأدبية بثقافات محددة، فإن ترجمتها تتطلّب دراية باللغتين المصدر والهدف. كما تتطلب الترجمة الأدبية حسًا إبداعيًا وخيالًا خصبًا، لاستيعاب الثقافة الأجنبية التي يُترجَم عنها، والقدرة على نقلها نقلًا إبداعيًا في سياقها الذي يناسب الجمهور المستهدف.

أساليب الترجمة الحديثة

تحت عنوان أساليب الترجمة الحديثة؛ يُصنِّف كتاب فن الترجمة والتعريب أنواع الترجمة حسب الأسلوب المعتمد فيها حديثًا. ومعلوم أن الأسلوب الأمثل للترجمة هو الترجمة اليدوية مع الرجوع إلى المراجع والمصادر، لكن ثمة أساليب مستحدثة في العمل المهني، ومنها:

أولًا: الاستعانة بالآلة

لأكثر من نصف قرن اكتسبت الترجمة الآلية (machine translation) سمعة سيئة، لأن الآلة هي التي تتولى فيها مهمة الترجمة بصورة كاملة، فتخرج الترجمة في الغالب حرفية ركيكة فاقدة لمضمون النص الأصلي وروحه. وبالرغم من ذلك، فإن سرعتها وقلة تكلفتها دفعتا كثير من المترجمين إلى إعادة النظر في الاستفادة منها جزئيًا من خلال أسلوب جديد أُطلق عليه الترجمة بالاستعانة بالآلة (Computer assisted translation).

وهكذا؛ تتم عملية الترجمة بالاستعانة بالآلة، ومن ثم يعمل المترجم على مراجعة النص وتحريره وتنقيحه وتجريده من الصياغات الركيكة التي تسببت فيها الترجمة الآلية، الأمر الذي يقلّص الزمن اللازم للترجمة إلى النصف، ويضاعف عائده المادي. وتقدِّم أكاديمية حسوب، قسمًا كاملًا يتضمن شروحات ومصادر مفيدة حول الترجمة بمساعدة الحاسوب (CAT). ومن أبرز أدوات الترجمة الآلية الاحترافية:

ثانيًا: الترجمة التلخيصية

الترجمة التلخيصية هي أسلوب ونهج اتبعه أدباء شغوفون، لتيسير نقل الأعمال الأدبية العالمية إلى العربية، حتى يشعر المُتلقِّي العربي أن المادة المترجمة كُتبَت أساسًا بالعربية. يقوم المترجم بقراءة كتاب كامل مثلًا، ثم يعيد كتابته بأسلوبه وفهمه الشخصي. وقد اتبع الأديب المصري الشغوف “دريني خشبة” هذا الأسلوب، إذ ترجم الإلياذة الإغريقية ورتب أحداثها ولخص فصولها حسبما يناسب القارئ العربي، ليخرج لنا بنسخة مترجمة في مائتي صفحة، في حين ترجمها غيره من المترجمين فيما تجاوز سبعمائة صفحة.

وقد تعرضت الترجمة التلخيصية للعديد من انتقادات أدباء العرب الذين رأوا أن هذا الأسلوب هو عبث وتحوير للأدب الأصلي، وحيود عن السياق الذي استهدفه المؤلف الأصلي، فأطلقوا عليه مَسخًا وليس تعريبًا على حدِّ وصفهم.

خطوات الترجمة

تسير عملية الترجمة وفق ثلاث خطوات متكاملة على النحو التالي:

أولًا: القراءة

وتستهدف قراءة النص الأصلي بعمق، لاستيعابه استيعابًا كاملًا وفهم دلالاته. وتشمل هذه المرحلة الاستعانة بالمصادر والمراجع والشروحات التي تعزز ذلك الفهم.

ثانيًا: السبك

يستهدف السَّبك التمعُّن فيما قرأه المترجم، والتفكير في الصياغات الممكنة، وتكييف المعاني مع قواعد ودلالات اللغة التي يُترجِم إليها المترجم. ولا شك في أن تجاوز هذه المرحلة أو التعجُّل فيها هو أحد الأسباب الرئيسية التي تؤدي إلى الترجمة الحرفية.

ثالثًا: الكتابة

يبدأ المترجم في مرحلة الكتابة بتدوين الجمل باللغة التي يترجم إليها، مع العمل على تحريرها وتعديلها كلما تطلّب الأمر. وفي أثناء ذلك، يسترشد المترجم بالمعاني التي استنبطها من النص الأصلي، ومن ثم يقرر أن يسير وفق أحد منهجين، إما أن يختار الترجمة الحريصة على التقيُّد بأسلوب النص، أو الترجمة الحرة التي تركِّز على المعنى والمدلول. وعلى هذا الأساس تُصنَّف الترجمة إلى منهجين:

  1. تكافؤ الأسلوب: وفيه يتم تفضيل الأسلوب، لحفظ النص الأصلي بأسلوبه وشكله وتعابيره اللغوية الأجنبية، وهو أقرب إلى الترجمة الحرفية. وهذا المنهج له دوره في الترجمة المتخصصة والأكاديمية ونحوها.
  2. تكافؤ السياق: وفيه يتم تفضيل المعنى، ليشعر القارئ بأنه يقرأ بلغته الأم، الأمر الذي يتيح للمترجم التصرُّف في الترجمة في بعض الأحيان. وهذا المنهج هو الأنسب لترجمة الكتب والروايات والأدب ونحو ذلك. (وهذا هو النهج الذي تبنّاه كتاب فن الترجمة والتعريب)

تراث العرب في الترجمة

بخلاف ما نعرفه في علم الترجمة الحديث، لم تكن الترجمة في التراث العربي قائمة على النقل الحرفي في أغلبها، وإنما اعترض عملية الترجمة بعض الاختصار والتحجيم والشرح، لتكييف النص مع الجمهور العربي والثقافة العربية، وهذا ما سارت عليه كثير من مدارس الترجمة. وعلى الجانب الآخر، فقد كان لنهج النقل الحرفي دُعاته ومؤيدوه ومدرسته الخاصة التي تزعّمها “يوحنّا بن البطريق”. والخلاف بين المدرستين قائم في جوهره إلى يومنا هذا.

ويأتي على رأس أكبر حركات الترجمة التي حدثت في التاريخ الحركة التي أسسها العالم السرياني “حنين بن إسحاق” إبّان عصر الدولة العباسية، والذي اتبع منهج تفضيل المعنى على الأسلوب، والتنقيح والحذف حسبما يناسب التوجّه الإسلامي والعربي آنذاك. وبالرجوع إلى عصر الدولة الأموية؛ فإن “خالد بن يزيد بن معاوية” هو أول من نقل وعرَّب أمهات الكتب في الطب والكيمياء والفلك.

خريطة نظرية الترجمة

أَطْنَب ديرانية في كتاب فن الترجمة والتعريب في التطرق إلى الجانب النظري لعلم الترجمة، لأنه يرى أن الإلمام به من شأنه أن يضيف عمق واحترافية إلى عمل المترجِم، ليجمع ما بين المعرفة النظرية والخبرة العملية. لذا، يتناول بالشرح خريطة نظرية الترجمة التي رسمها المترجم الأمريكي “جيمس هولمز” عام 1972، والتي كانت بمثابة بوابة للبحث الأكاديمي في علم الترجمة. وتتفرَّع خريطة نظرية الترجمة إلى:

أولًا: الدراسات التطبيقية

تستهدف الدراسات التطبيقية تحسين الجوانب التطبيقية للترجمة، مثل: تأهيل المترجمين وتدريبهم ونقد الترجمة.

ثانيًا: الدراسات التجريدية

تنقسم الدراسات التجريدية إلى قسمين:

  1. الدراسات الوصفية: وتشتمل دراسة الترجمة طبقًا لنوعية النصوص المترجمة وأسلوب الترجمة والجمهور المستهدف.
  2. الدراسات النظرية: وتشتمل على دراسات لغات الترجمة وتاريخها ومسائلها ومجالها ومستواها ووسائلها.

مدارس الترجمة

تولّدت عن نظريات الترجمة مدارس للترجمة يجدر أن يتعرّف عليها المترجمون، وهي:

1. مدرسة التحليل الخطابي

تهتم مدرسة التحليل الخطابي بدراسة وظيفة اللغة ودورها في التواصل الإنساني، وتأثير المرجعية الثقافية لها في التخاطب. وتُبنى هذه المدرسة على علم اللغة واللسانيات. ويساعد تحليل الخطاب على فهم السياق الخطابي للنص الأصلي، الأمر الذي يعمل على تحسين صياغة الكلام وترابط الأفكار، لتتواءم مع الجمهور المستهدف للترجمة.

2. المدرسة الوظيفية

المدرسة الوظيفية هي من أهم وأبرز نظريات اللغة الحديثة، وهي المنهج الأقرب لواقع عمل المترجمين، إذ تقول إن الهدف الأساسي من ترجمة المترجم هو فهم وظيفة النص كاملًا دون اقتطاع أو اقتباس، لأن الخلل في ذلك يؤدي إلى ترجمة ناقصة ركيكة.

ومن أهم النقاط الجوهرية التي تتبنّاها مدرسة الترجمة الوظيفية أنها تفصل ما بين وظيفتي النص الأصلي وترجمته، لأن كل ترجمة تستهدف جمهورًا محددًا وهدفًا واضحًا قد يختلف مع هدف النص الأصلي، وهو ما يجب أن يكون المترجِم على دراية كاملة به قبل بدء العمل.

ويعتمد نجاح الترجمة الوظيفية على مدى قدرة المترجم على تكييف النص حسب السياق. فمثلًا؛ إذا طلب عميل صاحب دار نشر من المترجم ترجمة رواية إلى العربية، فعلى المترجم أن يسأله عن الهدف من عملية الترجمة، ليختر الأسلوب الذي سيُكيّف على أساسه السياق، فقد يستهدف الناشر ترجمتها لصالح دارسي الأدب، مما يتطلب الحفاظ على ألفاظ النص الأصلي لتذوق الجمال الأدبي الذي رسمه المؤلف، أو يستهدف نشرها للأطفال، مما يتطلب تبسيط مصطلحاتها وتعديلها لمناسبة قيمنا وأخلاقنا العربية، أو يستهدف طرحها لجمهور القرَّاء، مما يتطلب تكييفها دول التلاعب بجوهرها.

3. المدرسة الوصفية

المدرسة الوصفية هي مدرسة قائمة على دراسة أعمال المترجمين لفهم دوافع اختياراتهم، والإقرار بما لديهم من خبرة من عدمه بناءً على مجموعة من الدراسات الوصفية للنصوص التي عملوا على ترجمتها، للوقوف على الأنماط السائدة أو القواسم المشتركة في عمليات الترجمة. ويُعدّ كتاب (الملك لير في خمس ترجمات عربية) للكاتبة “أحلام حادي” أحد أبرز الأمثلة على الدراسة الوصفية، إذ يقارن ترجمات مسرحية (الملك لير) من حيث أمانة النقل وجودة العرض أمام الجمهور العربي.

4. مدرسة شخصية المترجم

تدعو مدرسة شخصية المترجم لوضع شخصيات المترجمين رهن الدراسة، وعدم تهميش لَمَساتهم وطابعهم الشخصي المتفرّد في الترجمة، ذلك الطابع الذي يميز كل ترجمة عن نظيراتها. ولا تجد هذه المدرسة غضاضة في غرابة النصوص المترجمة الناتجة عن الترجمة الحرفية، بل إنها تزعم أن هذا مجهود بذله المترجم لصون غرابة النص الأجنبي المترجم وسماته.

5. مدرسة الثقافات

يرتبط فهم النص الأصلي المطلوب ترجمته باستيعاب المجتمع والثقافة التي خرج منها، فموضوعات الترجمة هي انعكاس للدراسات والعلوم الإنسانية المتشابكة. وترتبط القدرة على ترجمة النص إلى اللغة المستهدفة كذلك باستيعاب وفهم ثقافة المجتمع الذي سيتلقى الترجمة.

وتُعدّ (دراسات ما بعد الاستعمارية) أحد مجالات الترجمة الثقافية، إذ يهتم فيها الباحثون بدراسة كيفية الترجمة في ظل العلاقات غير المتكافئة في السلطة والقوة بين الشعوب المُستعمَرة مثل العرب والأفارقة، والشعوب المُستعمِرة مثل الإنجليز، وكيفية النقل بين لغتي الفريقين مع اعتبار الآثار الثقافية والإنسانية للاستعمار على الشعوب واللغات.

آفات الترجمة على اللغة

للترجمة تَبِعات ذات أبعاد ثقافية أو اقتصادية، ومنها:

  • عودة أغلب أرباح النشر والطباعة في العالم لمؤلفي الكتب الإنجليزية التي تُترجم إلى العديد من اللغات ومنها العربية، في حين لا يجني مؤلفو العرب أرباحًا تُذكر.
  • غرْس المؤلفون الأجانب ثقافاتهم وآدابهم في كتبهم للمتلقّين، في حين لا يتلقّون هم في الغالب شيء يُذكر من ثقافات العالم.
  • تأثُّر اللغة العربية بكثير المعاني الحرفية للتعبيرات الإنجليزية، مثل: “ليس بعد الآن” التي حِيكت من (not any more)، و”هيا يا صاح” التي حِيكت من (come on dude).
  • تأثّر بناء الجملة العربية بالجملة الإنجليزية في قِصرها وتواليها، بدلًا من طولها وتتابُعها.
  • تهافُت القراء العرب على الأدب الأجنبي بدلًا من الأدب العربي.

ويشير ديرانية إلى أن تحجيم الترجمة الحرفية والتوجه نحو الترجمة بتصرف من شأنه أن يقلل من تَبعات وتأثيرات الترجمة على اللغة العربية. وينصح بغض الطَّرف عن شيء من آراء الباحثين من دعاة الترجمة الحرفية، لأن هذا في حقيقته إنما يصبّ في مصلحة اللغة الأجنبية على حساب اللغة العربية.

المعاجم والقواميس

لم يغفل ديرانية في كتابه فن الترجمة والتعريب عن الإشارة إلى أهم أدوات الترجمة التي يستعين بها المترجمون في عملهم، وهي المعاجم والقواميس. وتختلف هاتان الأداتان المعجم والقاموس فيما يمكن أن تقدمه كل منهما إلى المترجم من مساعدة في الترجمة على النحو التالي:

أولًا: القواميس

تُبيِّن القواميس معاني المفردات في لغتين أو أكثر، مثل: (قاموس المورد) لمنير البعلبكي، و(قاموس مترجم جوجل). والقاموس هو أداة قد تكون جيدة لمساعدة المترجمين في التعرُّف على المصطلحات الفنية والتقنية المتخصصة جدًا، لكنه أداة قاصرة غير دقيقة وغير مثالية في ترجمة الأعمال الأدبية أو المهنية، فهو لا يفسّر سياقات المعاني للكلمات. لذا؛ فمن الشائع أن تتخصص القواميس في مجالات معينة، مثل:

  • قاموس الفيزياء العربي
  • قاموس الأحياء المُيسَّر
  • المعجم الطبي الموحَّد

ثانيًا: المعاجم

المعجم هو رفيق درب المترجم، وهو الأداة الأهم التي ستساعده على فهم معاني المصطلحات بطريقة مفصَّلة، ومعرفة كيفية وضعها في السياق المناسب لها، واستيعاب وظائفها اللغوية. لذا، فإن إتقان استخدام المعجم الأجنبي هو مهارة لازمة للمترجم، وهو أمر يتم تدريسه في الجامعات والدورات التدريبية. وفيما يلي إشارة إلى بُنية المعجم ومدخلاته وكيفية الاستفادة منه:

1. أصل الكلمة

توضح المعاجم الإنجليزية الكبيرة أصل كل مصطلح أو كلمة من اللغة، لتمييز الكلمات الأصلية من المستعارة. ففي معجم أكسفورد كمثال؛ هناك تحقيق تاريخي لأصول كلمة (Suger) وصولًا إلى أصلها العربي “سُكّر”.

2. معنى الكلمة واستخداماتها

تركّز المعاجم على شرح كل مفردة ومعانيها الدقيقة، وتضرب الأمثلة على استخداماتها في سياقات مختلفة، للتعرف على السياق المناسب الذي يحتاجه المترجم. فمثلًا؛ قد يُكتب [medical] أحد المصطلحات، مما يعني أنه شائع الاستخدام في المجالات الطبية.

3. البحث في المعجم

لا شك في أن كلمات المعجم مرتبة ترتيبًا أبجديًا، لتسهيل عملية البحث. كما أصبحت كثير من المعاجم الحديثة متاحة عبر الإنترنت. وتشتمل عادةً المعاجم الإنجليزية على مختلف صيغ وتصريفات الكلمة عدا تصريف الفعل المضارع منها، مثل: (taking). أما بالنسبة للمعاجم العربية، فيحتم الرجوع إلى جذور الأفعال للبحث عنها في المعجم، مثل: “يتسابقون” التي يُبحث عنها في مدخل: “سبق”، الأمر الذي يتطلب بعض الخبرة في علم الصرف.

4. الأبجدية الصوتية

“الأبجدية الصوتية العالمية” هي نظام ابتكره علماء اللغة لكتابة صوت الحرف الفعلي لمختلف لغات العالم، وهو مساعد ثانوي لتعلم اللغات. وتتضمن المعاجم النطق بحروف الأبجدية الصوتية لكل كلمة بين شرطتين مائلتين.

مثال: (Knight) تُكتب هكذا (/Na:It/)، لكن الأمر ليس بهذه السهولة دائمًا، إذ يجب دراسة وإتقان حروف الأبجدية الصوتية العالمية التي تبلغ 107 حرفًا ورموزها وإضافاتها اللفظية التي تبلغ 52 إضافة. وليس إلزاميًا على المترجم إتقان الأبجدية الصوتية، لكنها أداة ثانوية لتعلم نطق اللغات كما ذكرنا.

سُبل التعريب السبعة

لا مفر من أن يواجه المترجم العديد من المصطلحات الإنجليزية الصعبة أو التي لا يجد لها مكافئًا في اللغة العربية، وهنا تقع المسؤولية على خبرة المترجم في اختيار الطريقة الأنسب لنقل المعنى إلى المتلقي، سواء بالترجمة الحرفية أو التعريب أو النقحرة كما سنوضح. وفيما يلي إشارة للطرق التي من المفترض أن يتبعها المترجم تِباعًا في ترجمة المصطلحات:

1. الترجمة

الترجمة هي أول طريقة يجب أن يلجأ إليها المترجم لتعريب الكلمة الأجنبية، إذ يجتهد ترجمة معناها إلى معنى قريب أو مكافئ لها في اللغة العربية في إطار السياق الموجودة فيه في النص الأصلي. فمثلًا، (Cognitive Revolution) يمكن أن تترجم إلى “الثورة المعرفية”.

2. التعريب

إذا لم يتمكن المترجم من إيجاد ترجمة واضحة تنقل جوهر المعنى للمصطلح، فإنه يلجأ إلى الطريقة الثانية وهي التعريب. والتعريب هو استعارة مصطلح من اللغة الإنجليزية إلى اللغة العربية مع تعديل لفظه وشكله، ليتكيّف مع النطق والصرف العربي. وهو أمر جائز حينما تكون الترجمة العربية المقترحة أكثر غرابة على المتلقي من الكلمة الإنجليزية التي تكون متعارفًا عليها بالفعل في المجتمع، مثل: (democracy) التي عُرِّبت إلى “الديموقراطية”، و(academy) التي عُرِّبت إلى “أكاديمية”.

3. الاشتقاق

تتميز اللغة العربية بإمكانية اشتقاق ألفاظها. ومن أشهر المشتقات التي اشتُقت منها مصطلحات حديثة اسم المكان مثل: “مُختَبر” المشتق من “اختبر”، واسم الآلة مثل: “مِصعد” المشتق من “صعد” وغيرها الكثير. كما أن بعض الأسماء المعرّبة تقبل الاشتقاق، مثل: “التِّقانة” من “التقنية” وأصلها “تكنولوجي”.

4. المجاز

من طرق الترجمة الشائعة هي نقل المعنى المجازي. ولا يُقصد بالمجاز هنا استحداث لفظًا جديدًا، بل المقصود إعادة تدوير اللفظ العربي لاستخدامه في معنى قريب له مُتّسق معه. فمثلًا، كلمة “سيارة” هي كلمة تراثية معناها “جماعة من المسافرين”، واستُخدمت مجازًا للتعبير عن وسائل النقل الحديثة، لوجود صلة في المعنى بينهما. ولا بد للمترجم إن أراد اتباع أسلوب المجاز في أحد المصطلحات أن يكون مُلمًا بمفردات اللغة العربية واستخداماتها، والأهم ألا يصوغ لفظًا غريبًا على المتلقي، فيفشل في إيصال المعنى المطلوب.

5. النحت والتركيب

النحت والتركيب هو المزج بين كلمتين أو أكثر ليصبحا مفردة واحدة للتسهيل، مثل: “الحَوقَلَة” التي أصلها “لا حول ولا قوة إلا بالله”. وينتقد البعض النحت والتركيب في الترجمة حين يتولّد عنه ألفاظًا غريبة على المتلقّي مثل: “الركمجة” التي أصلها “ركوب الأمواج”، وقد تُفسد في بعض الأحيان بلاغة اللغة.

6. التأثيل

التَّأثيل هو التحقيق في الأصل التاريخي للكلمة، بهدف معرفة معناها لتجنُّب نقحرتها -كما سنوضح تاليًا- وعلى هذا المنهج يجب أن يسير المترجم ويجتهد في تقصّي أصل الكلمة، حتى يكتشف المعنى الصحيح لها.

مثال على ذلك طائفة من الأسماك اسمها (Acanthopterygii) التي قد يتسرع كثير من المترجمين لنقحرتها مباشرةً إلى “أكانثوبتيرجي” لاعتقاده أنها مصطلح غريب لا مكافئ له في المعنى، لكن بمراجعة الكلمة في معجم “ميريام ويبستر” يتضح أنها عبارة عن كلمتين من اللغة الإغريقية القديمة وهما: (Acanth) أي “شوك” و(Pterygii) أي “زعنفة”، ومن هنا يمكن ترجمة اسم هذه الطائفة من الأسماك إلى “شوكيات الزعانف”.

7. النقحرة

والنقحرة هي كتابة نطق اللفظ الأجنبي بحروف عربية، مثل: Wi-Fi تُكتب “واي فاي”، وهي مقبولة في المصطلحات المتعارف عليها مثل: النانو، والسيلفي ونحو ذلك. كما أنها واجبة في أسماء البلدان والعلامات التجارية والمنتجات. لكن المبالغة في نقحرة مصطلحات النص الأصلي التي لا تتطلب ذلك يدل على عجز المترجم عن إيصال المعنى خاصة في أنواع الترجمة المهنية المتخصصة.

وقد يتجاوز الأمر مهمة تعريب المصطلح أو إيجاد معنى مفهوم له، إلى شرح هذا المعنى داخل متن الترجمة -إن لزم الأمر- إذا كان المصطلح غير متعارف عليه للمتلقي. فمثلًا؛ المصطلح العلمي (homeostasis) من غير المقبول نقحرته بـ (هوميوستاسز)، ولا تكفي ترجمته حرفيًا بـ (التوازن أو الاستتباب) ولكن يجب توضيح معناه بترجمته إلى “توازن البيئة الداخلية للجسم” أو بالأحرى “اتزان كيمياء السوائل داخل الجسم”، الأمر الذي يتطلب بلا شك في أن يتمتع المترجم بخلفية علمية لاستيعاب المصطلح ونقل جوهره دون نقحرة.

وبالنسبة لأسماء عنوانين الأعمال الأدبية من الكتب والروايات ونحوها، وكذلك أسماء الألعاب، وأسماء الشخصيات الواردة فيها، فإذا كانت من الأعمال الكلاسيكية المقبول ترجمة عناوينها مثل: (Crime and punishment) للكاتب دوستويفسكي، فمقبول ترجمتها إلى “الجريمة والعقاب”. أما فيما يتعلق بالعناوين الحديثة نسبيًا التي لها خصوصية ثقافية يصعب نقلها بين لغتين، مثل رواية (Hickory Dicory Duck) للكاتبة أجاثا كريستي، فلا يُستحسن العبث بها، لأن اسمها على هذا النحو جزء من هويتها التي تعارف عليها القراء.

أساليب تعريب التراكيب اللغوية

يقترح ديرانية المزيد من الاستراتيجيات التي تخدم فن الترجمة والتعريب فيما يتعلق بتعريب التراكيب اللغوية، لتلافي ترجمتها حرفيًا، وتعزيز إدراكها وفهمها في السياق الصحيح. نشير إلى نبذة عن بعض تلك الأساليب فيما يلي:

1. المفاضلة

عندما تواجه المترجم مصطلحات عامة أو يومية ذات إيحاءات متشابكة عليه أن يفاضل بينها، فالحل الأمثل هو تعريبها إلى المعنى الأوسع والأشمل، مثل مصطلح (Bug) وهو مصطلح يشمل الحشرات غير الطائرة، فيجوز ترجمتها لكلمة “حشرة”.

2. الإبدال الثقافي

قد يستلزم الأمر أن يقدّم المترجم معنى جديدًا يتوافق مع ثقافة المتلقي، فيضطر إلى إبدال بعض المصطلحات الإنجليزية بما يناظرها في اللغة العربية. وهو أمر شائع في إبدال الأمثال الشعبية والأقوال المأثورة ونحوها.

3. الحذف أو الزيادة

يضطر المترجم في بعض الأحيان إلى حذف كلمات لا نفع لها في السياق، بل إن وجودها قد يُشكّل لبسًا وغموضًا على المتلقي، فيجوز الحذف بشرط ألا يُخلّ ذلك بسياق المعنى. وكذلك يمكن زيادة مفردة -إن لزم الأمر- فمثال: (This word is translatable) يُترجَم إلى “هذه الكلمة قابلة للترجمة” بزيادة “قابلة”.

4. التصاحب اللفظي

هناك مصطلحات قد تترادف في معناها ويجوز استخدامها بالتبادل، مثل: كلمات (fast) و(quick) و(rapid)، غير أن ثمة تراكيب لغوية متعارف على استخدامها كنوع من العرف السائد، وهو ما يُسمى بالتصاحب اللفظي. ويجب أن يأخذ المترجم هذا “التصاحب اللفظي” في الحُسبان، فمثلًا كلمة (fast food) لا يجوز استبدالها بـ (quick food)، و”رجل وسيم” لا يُستحسن استبدالها بـ (رجل جميل)، وإن كانت الجملة صحية نحوًا وصرفًا ودلالة.

ويظهر التصاحب اللفظي في التركيب اللغوي (native language) المتعارف استخدامه في الإنجليزية للإشارة إلى اللغة الأولى، إذ يلاحظ أن كثير من المبتدئين يترجمون هذا التركيب إلى “اللغة الأصلية”، لكن هذا لا يعبر عن التصاحب اللفظي المكافئ لهذا التعبير الذي تعارف عليه العرب وهو “اللغة الأم”، وهذه هي الترجمة الأمثل والأكثر احترافية من “اللغة الأصلية”.

وللتصاحب اللفظي تأثير آخر أكثر أهمية وحساسية في الترجمة، إذ تختلف الترجمة كليًا بين بعض الكلمات المفردة عن ترجمتها إذا ما جُمعت في تعابير مع ألفاظ أخرى، الأمر الذي يستلزم من المترجم الإحاطة بها والرجوع إلى المعاجم التي توضح سياقاتها ومعانيها ضمن التعابير المختلفة، لأن الخطأ هنا لن يكون في مسألة أن التعبير متعارف عليه أو غير متعارف عليه، بل سيكون خطأ في الترجمة ذاتها لا يعفي المترجم من المسؤولية. الأمثلة التالية توضح ذلك فيما يتعلق بكلمة (dry) أي “جاف” كمثال:

  • (dry country): من غير المقبول ترجمتها إلى “دولة جافة”، لأن معناها في هذا التعبير هو “دولة تَحظر بيع الخمور”.
  • (dry voice): لا تُترجم إلى “صوت جاف”، بل معناها “صوت خالٍ من المشاعر”.

تعريب الاستعارة

قد تكون الاستعارات والتعابير المجازية غريبة أو مبهمة على المتلقي العربي إذا ما تُرجمت حرفيًا. فمثلًا؛ (This exam is a piece of cake) ترجمته الحرفية هي “هذا الاختبار كقطعة من الكعك”، وهي ترجمة غالبًا لن يفهم مغزاها كثير من العرب، فالمعنى الذي قصده الكاتب هو “هذا الاختبار في غاية السهولة”، وهو ما يجب أن يدركه المترجم بخبرته أو بالبحث في المعاجم، كما يجوز أن يستعيض عنه هذا التعبير المجازي بتعبير مجازي يقابله في اللغة العربية، المهم ألا يلجأ إلى الترجمة الحرفية.

تعريب الأفعال المركبة والتعابير الشائعة

يخطئ كثير من المترجمين المبتدئين في ترجمة الأفعال المركبة (phrasal verbs) والتعابير الشائعة (Idioms)، فيتسرعون في ترجمتهما دون الرجوع للمعجم. وتتكون الأفعال المركبة من فعل متبوع بحرف جر، فيكتسبان معنى جديدًا، مثل: (put) بمعنى “يضع”، أما (put on) فيكون المعنى “يرتدي”، و(put out) معناها “يطفئ”.

كما أن القفز إلى استنتاجات متعجلة للتعابير الشائعة يؤدي إلى نتائج سيئة للترجمة، فإذا لم يكن المترجم مُتثبًّا من المعنى، يتوجّب عليه الرجوع إلى المعجم. فمثلًا، (It’s raining cats and dogs) بالتأكيد ليس معناها “إنها تُمطر قططًا وكلابًا”، لكن المعنى المقصود هو “إنها تُمطر بغزارة”. و(diamonds cut diamonds) تُترجم إلى “لا يفلّ الحديد إلا الحديد”. و(every cloud has asilver lining) معناها “في كل مصيبة خير”.

تعريب الجملة وأقلمتها

يركّز كتاب فن الترجمة والتعريب في هذا الجزء على المحاور التي تجعل تعريب الجمل داخل النص تعريبًا ناجحًا متناسقًا متكيِّفًا مع اللغة العربية، ليصبح وكأنه مكتوب بها. ويتحقق ذلك عن طريق:

  1. الفهم الشامل للنص الأصلي، والإحاطة بالمصطلحات المتعلقة بالتخصص الذي يُترجم فيه.
  2. بذل الجهد للاطلاع على النص وفهمه، والاستعانة بالمصادر والمراجع والمعاجم.
  3. صياغة النص باللغة العربية حسب السياق المذكور فيه.
  4. أقلمة ترجمة الجملة وفقًا للغة العربية التي تعتمد الترتيب: فعل وفاعل ومفعول، في حين تعتمد الإنجليزية الترتيب: فاعل وفعل ومفعول. وقد تسمح اللغة العربية البدء بفاعل لمرونتها إعرابيًا.
  5. مراعاة الفرق بين أسلوبي العربية والإنجليزية وأقلمة الترجمة وفقًا لذلك، إذ تعتمد اللغة العربية على الجملة الطويلة عادةً، بينما تعتمد اللغة الإنجليزية على الجمل القصيرة، فيمكن المترجم مزج الجمل عند الترجمة إذا سمح السياق بذلك.

أنواع الجملة الإنجليزية

تنقسم الجمل الإنجليزية عادةً إلى ثلاثة أنواع، ويتحتَّم أن يعي المترجم الفرق بينها، ليُترجمها إلى ما يناسبها في العربية. والأنواع هي:

  • الجملة البسيطة: وهي جملة عادية قصيرة عادةً تتكون من فاعل وفاعل ومفعول، مثل: (I waited for the train).
  • الجملة المركبة: وهي عبارة عن جملتين بسيطتين، يجمعهما حرف مثل: but أو and أو so أو غير ذلك، مثل: (I waited for the train, but the train was late).
  • الجملة المعقدة: هي أكثر تعقيدًا، تتكون من عدة جمل منها ما يعتمد في المعنى على الأخرى. قد تربطها أدوات مثل: while أو although أو since أو غيرها، مثل: (I went to the train station early. so, I read a book while I was waiting for the train).

ملاحظات على ترجمة بعض الصيغ الإنجليزية

يعدد كتاب فن الترجمة والتعريب بعض الملاحظات على صيغ إنجليزية قد يستشكل تعريبها على كثير من المترجمين، وهي:

  • على الرغم من.. : من الشائع أن تُستخدم (although, while, however) في الجملة الإنجليزية على سبيل النفي، ويلتبس على المترجمين حين يأتي النفي مُتقدّمًا في الجملة. لذا، فمن الأفضل حذف “على الرغم من” إذا جاءت في بداية الجملة الإنجليزية، واستبدالها بـ (على أن، مع أن، لكن…) في بداية الجزء الثاني من الجملة.
  • المبني للمجهول: ثمة اختلاف جوهري بين صيغتي المبني للمجهول العربية والإنجليزية. ولتعريب المبني للمجهول في الإنجليزية حالتان، إما أن يأتي الفاعل متأخرًا مثل: (The film was directed by Ali) فمن الأفضل تحويلها إلى معلوم فنقول: “أخرج عليّ الفيلم” ومن الخطأ ترجمتها إلى “تم الإخراج بواسطة علي”. أما الحالة الثانية، فهي عدم وجود الفاعل في الجملة مثل: (America was discovered in 1492)، فتُترجم إلى: “اكتُشِفَت أمريكا في عام 1492” ولا نستخدم “تم اكتشاف”.
  • صيغ الملكية: ابتدع بعض المترجمون كلمة “خاصَّتي، أو خاصَّتك…” لتعريب صيغ الملكية مثل: (… ,mine, yours, ours)، لكن الأَوْلى الاستعاضة عنها بالضمائر التي تكافئها في العربية مثل: “ياء” المتكلم أو “نا” الجماعة.

سبك الترجمة وترابط مكونات الكلام

إن ترجمة جمل وكلمات النص الأصلي بطريقة صحيحة ليس كافيًا وحده لنجاح عملية الترجمة، إذ يتطلب الأمر القدرة على سبك وترابط وتسلسل جُمل وفقرات وأفكار النص ليصبح بَناءً يكمّل بعضه بعضًا. ومن الأدوات التي تعين المترجم على ربط الجمل ومكونات الكلام:

  • حروف العطف: مثل الواو والفاء لربط الجمل وترتيب تسلسلها.
  • حروف الجر: لا بد من الانتباه إلى أن كل لغة تستخدم حروف الجر في سياق مختلف، لذلك لا يمكن ترجمتها حرفيًا. فمثلًا؛ (I write in Arabic) تُترجم إلى: “أكتب باللغة العربية” وليس “في اللغة العربية”.
  • أدوات الإبدال: وهي كلمات تحل محل جمل أو كلمات سبقتها، مثل: (Do, that) التي قد تحل محل جُمل بأكملها مثل السؤال: هل أقفلت باب المنزل منذ قليل؟ فيكون الجواب: نعم، فعلت.

كيفية تعريب الثقافة

يصطدم المترجمون مع معضلة ليست بالهيِّنة، وهي اعتبارات الثقافة المرتبطة باللغة الإنجليزية وكيفية تعريبها. ولم يغفل كتاب فن الترجمة والتعريب عن التَّطرق إلى المبادئ التي تحكم تعريب الثقافة، وهو ما يجب أن يكون المترجم على درايةٍ به.

1. الحَرفية والتصرُّف

تطرّقنا إليه سابقًا، وهو خلاف دائر بين الباحثين والمترجمين، على أن كتاب فن الترجمة والتعريب يميل ميلًا واضحًا نحو التصرف في الترجمة.

2. التصريح والتضمين

بسبب اختلاف الثقافات والسياقات التي تُستخدم فيها بعض الجمل أو الكلمات بين اللغات، فقد يجد المترجم نفسه مضطرًا إلى التصريح بتفسير ما نوى كاتب النص الأصلي قوله ضمنًا في المتن أو الحاشية، لكشف التلميحات المبطنة للجمهور. وقد لاقى أسلوب التصريح تأييدًا من بعض الباحثين ومعارضة من غيرهم الذين يفضلون التضمين بدلًا منه، لتجنُّب التَّقوُّل على لسان المؤلف.

3. المؤنث والمذكر

يدور جدال كبير في عصرنا في ثقافات لغات العالم حول تحييد الجنس باستخدام الضمائر المحايدة عند الخطاب بدلًا من تغليب صيغة المذكر في اللغة. ويمكن للمترجم أن يُساير ذلك في ترجمة النصوص بإحدى الطرق التالية:

  • استخدام الشرطة المائلة، مثل: “على المسافر/ة أن…”
  • استخدام صيغة المبني للمجهول، مثل: “تؤخذ حبة من الدواء….”
  • استخدام ضمائر المتكلم المحايدة، مثل: “أنا، ونحن…”

4. أخلاقيات المهنة

ثمّة مسؤولية أخلاقية تقع على عاتق المترجم كونه الوسيط بين المؤلف والقارئ. وتتمثل تلك المسؤولية في عدم مبالغة المترجم في إضافة آرائه الشخصية إلى النص، وحرصه على عدم تحويره أو تبديل أفكاره. ومن الجدير بالذكر، أن أمانة النقل لا تتعارض مع التصرُّف والتكييف.

5. الأقلمة

قد لا يكفي نقل الفكرة الثقافية حرفيًا بين لغتين، لأن هذا لن يوصل المعنى الذي أراده المؤلف بصورة صحيحة. فمثلًا؛ الكلمة العاميّة الدراجة باللهجة الشامية “تُقْبرني” التي تعارف استخدامها للدلالة على الإعجاب أو الحب، فلا يمكن نقل ترجمتها حرفيًا إلى (I wish you dig my grave)، وهو ما لن يستوعبه القارئ الأجنبي البَتَّة، فيمكن الاستعاضة عنها بـ (I love you so much) على سبيل أقلمة النص وتكييفه مع الثقافة الأجنبية.

وتتجلّى الأقلمة الثقافية في ترجمة العنوان (Food wars: Shokugeki no soma) باستعارة التعبير العربي المألوف: “لا سلام على طعام”.

6. النقد الأدبي

يحمل كل نص أدبي في طيَّاته جذورًا ثقافية عميقة، فيكاد يكون من المستحيل تعريبه ونقل كل معانيه بصورة كاملة، لكن دراية المترجم بخفايا النقد الأدبي وخلفيته غير السطحية في هذا الصدد من شأنه أن ينقذ الكثير من تلك المعاني الأدبية، أو يستبدلها بما يحفظ للقارئ الفكرة.

كذلك يجب أن يكون المترجم على دراية بالصِّلات والروابط التي تنشأ وتتكرر داخل النص الأدبي، ومن أشهرها ما يسمى بـ “الموتيفة” (motif) وهو مصطلح يعبر عن الأحداث أو الأفكار أو الرموز التي يتعمّد المؤلف تكرارها بهدف مقصود لتعطي للقصة عمقًا ورمزًا وتوصّل رسالة، الأمر الذي يتطلّب أن يكون المترجم قادرًا على تذوّق العمل الأدبي بصورة كاملة.

7. اللهجات الدارجة

من الشائع في أساليب الترجمة أن يعوّض المترجم اللهجة باللهجة، للحفاظ على الرؤية التي أرادها المؤلف. فإذا كان ناطق النص الأصلي ذا لكنة مميزة في كلامه، فيعوّض المترجم بلكنة تكافئها في الترجمة، كأن تكون الشخصية المتحدثة عجوز زنجيّ ينطق (dat) بدلًا من (that)، أو (zay) بدلًا من (say).

وقد أصبحت مسألة اللهجات مسألة شائكة عند المترجمين، بسبب استخدام كثير من المؤلفين لهجات مختلفة للتعبير عن انتماءات وأبعاد جغرافية وعرقية واجتماعية، لجعل كتاباتهم أكثر واقعية، أو لإيصال أفكار ورسائل معينة. ولا شك في أن هذا يتطلّب جهدًا من المترجم لاستيعابه.

8. الشعر

اختلف البعض حول إمكانية ترجمة الشعر بين اللغات، فمنهم من يرى صعوبة ذلك، ومنهم من يشترط أن تقتصر ترجمته على الشعراء المترجمين. وكما هو معلوم، فإن الشعر العربي يُنظَم وفقًا لبحور الشعر التي تبلغ 16 بحرًا، بينما يُنظَم الشعر الإنجليزي وفقًا لخاصية لغوية اسمها “النَّبر” (stress)، وهو التركيز على مقطع محدد من الكلمة وإبراز صوته أكثر من غيره بتتابع ثابت.

والحقيقة أن الشعر الحديث أسهل في ترجمته، لظهور الشعر الحر الذي لا يرتبط بوزن ولا قافية والشعر المرسل. وهناك منهجان لترجمة الشعر بين اللغات، وهما:

  1. ترجمته إلى شعر موزون مع تغيير الكلمات وبعض المعاني للحفاظ على الوزن والصوت. وهذا هو المنهج الأشهر.
  2. ترجمته إلى نثر يحفظ معنى القصيدة من دون وزن أو قافية. ولم يحظَ هذا المنهج بتأييد يُذكر.

كيف تدخل سوق العمل في الترجمة؟

يقدِّم ديرانية في نهاية كتابه العديد من النصائح التي تساعد المترجمين على استثمار فن الترجمة في دخول سوق العمل.

1. اكتسب الخبرة أولًا

لا يرتبط الترجمة بإتقان لغة أجنبية فحسب، إنما ترتبط بالخبرة والممارسة والقدرة على تطبيق استراتيجياتها وأساليبها التي تطرّقنا إليها. ويرى ديرانية أن التطوُّع لفترة هو أحد الوسائل التي تُكسِب المترجِم خبرة ومهارة مع الوقت قبل دخول سوق العمل. ويُرشّح الالتحاق بإحدى المنصات التالية عبر الإنترنت: موسوعة ويكيبيديا الحرة وموسوعة حسوب وأكاديمية حسوب ومبادرة ناسا بالعربي ومحاضرات Ted والمجلات الإلكترونية المترجمة.

2. حدد تخصصك

كما أشرنا، فثمَّة أنواع متخصصة من فن الترجمة، مثل: الترجمة المهنية والترجمة الأدبية. ومن هذا المنطلق، فإن تخصص المترجم يؤهله للنجاح في مجالات أكثر من غيرها، فالمترجم المتقن للغة وأصولها قد يجد صعوبة في ترجمة نص علمي أو قانوني متخصص، إذ يتطلّب ذلك مترجمًا مختصًا في مثل تلك العلوم للحصول على أفضل النتائج. فاحرص على تحديد تخصصك وإتقان ترجمة هذا التخصص.

3. حدد وجهتك

عليك أن تحدد هدفك من الترجمة؛ هل تطمح في أن تلتحق بإحدى الشركات بدوام كامل كمهنة أساسية مثلًا؟ أم تود العمل بدوام جزئي كمصدر دخل إضافي؟ ضع في حُسبانك فرص العمل المتاحة أمامك التي يمكنك الالتحاق بها، حتى تحدد خياراتك وفقها.

ولا شك في أن القطاع الأكبر من المترجمين يفضلون العمل لحسابهم الخاص من خلال منصات العمل الحر عبر الإنترنت بدوام جزئي أو كلي، لزيادة التوجُّه للاعتماد على الإنترنت في التوظيف، وقلة تكاليف العمل الحر والعمل عن بعد، ونمو الاستثمار بالمحتوى العربي من خلال الإنترنت.

ومن أشهر منصات العمل الحر العربية منصة خمسات أكبر سوق عربي لبيع وشراء الخدمات المصغرة، والتي يمكنك من خلالها تقديم خدمات الترجمة، ومنصة مستقل، أكبر منصة عمل حر عربية، والتي يمكنك من خلالها التَّقدُّم على مشاريع الترجمة.

4. أسِّس شبكة من العلاقات

من أفضل طرق الحصول على العملاء واكتساب الخبرات في آنٍ واحد هو أن تضع نفسك في شبكة قوية من العلاقات، إذ يمكنك من خلالها بناء سمعة جيدة، والتسويق لنفسك ولمهاراتك في الترجمة. وكذلك عليك أن تكون على دراية بكيفية إنشاء علاقات قوية مع العملاء، وبناء علاقات إيجابية مع العملاء السابقين.

كما أن للحضور الرقمي أثرًا في زيادة فرصة الحصول على العملاء، إذ يمكنك إنشاء مدونة لمقالاتك وترجماتك، أو تصميم موقع شخصي متميز للتعريف بنفسك ومهاراتك للعملاء. وكما ذكرنا، فيمكنك الحصول على المزيد من العملاء المحتملين بتوظيف نفسك من خلال منصات العمل الحر، مثل: خمسات ومستقل.

5. اتفِق على تفاصيل العمل

بعد حصولك على العميل، تأتي مرحلة الاتفاق على كافة التفاصيل المتعلقة بالعمل، والتي نوجزها فيما يلي:

  • التفاصيل التقنية والفنية
  • خطة العمل وآليته
  • هدف العميل من ترجمة النص والجمهور المستهدف
  • مدة التسليم
  • الميزانية، وتتحدد غالبًا حسب خبرة المترجم، وطول النص وصعوبته، ومتوسط الأجور في بلد العميل وبلدك

ولا بأس أن يطلب العملاء عينة أولية تتمثل في ترجمة نص قصير، للوقوف على جودة الترجمة. وهذا ليس استغلالًا، بل هو ضمان لتوافق المترجم والعميل على أسلوب ترجمة النص.

6. وثِّق الاتفاق

يجب الاتفاق كتابةً على كل تفاصيل المشروع التي اتفقت عليها مع العميل، مثل: الميزانية ومدة التسليم ونحو ذلك. وفي الواقع، فإن العمل الحر في العالم العربي يتم غالبًا بدون عقود، غير أن العمل من خلال منصات العمل الحر الوسيطة بين المترجمين والعملاء تكون أكثر ضمانًا للحقوق، مثل منصتي خمسات ومستقل، إذ يعمل الاتفاق من خلالهما بمثابة توثيق للعمل، ويحتكِم المترجم والعميل لفريق دعم فني للرد على الاستفسارات أو التدخل في المشكلات.

7. ابدأ العمل

ابدأ عملك بقراءة النص الأصلي كاملًا لفهم سياقه العام واستيعابه بصورة كاملة. وقد تستعين في ذلك بالمعاجم والقواميس والشروحات والفيديوهات التعليمية والأدوات التي تعينك على فهم المطلوب. وبعد ذلك، ابدأ بترجمة وصياغة الجمل بلغة عربية سليمة، مع استخدام الأسلوب والاستراتيجية المناسبة للترجمة في السياق المناسب.

بعد الانتهاء، راجع النص جيدًا، وأَجرِ التعديلات والتنقيحات اللازمة، ثم اعرضه على العميل الذي قد يطلب بدوره بعض التعديلات أو يوجّه بعض الملاحظات التي عليك القيام بها قبل التسليم. ومن المتوقع حصولك على تقييم من العميل بعد التسليم للتعليق على جودة العمل الذي تسلّمه، فابذل جهدك لإخراج عملك في أفضل صورة للحصول على تقييم إيجابي.

بهذه النصائح القيّمة، يختتم ديرانية كتابه فن الترجمة والتعريب الذي قدّم من خلاله مادة علمية دَسِمة بالغة الأهمية لممتهني فن الترجمة من الإنجليزية إلى العربية، جمع فيها ما بين استراتيجيات الترجمة العالمية وخصوصيات الترجمة إلى العربية. ولا يخفى على المُطّلِع مقدار الجهد المبذول لإخراج هذا العمل بتلك الصورة الاحترافية التي تُثري المحتوى العربي وترفع من قيمته.

تم النشر في: تلخيص كتاب