طريقك إلى احتراف الترجمة القانونية

القانون هو لغة في حد ذاته، لا يفك طلاسمها إلا دارسوها أو العاملون بها، بعدما اكتسبوا العقلية القانونية التي تؤهلهم لذلك، والأمر نفسه بالنسبة للترجمة القانونية. ولطالما عهدنا أن دارسي القانون يمتهنون المحاماة والأعمال القانونية ونحو ذلك، غير أن هناك طائفة منهم قد تشغفهم مجالات أخرى غير تقليدية تتطلب المرجعية القانونية نفسها، وتأتي الترجمة القانونية Legal translation في طليعة تلك المجالات.

فإذا كنت مهتمًا بالترجمة القانونية، وترغب في استثمار خلفيتك القانونية بالعمل في هذا المجال، أو إذا كنت حديث عهد بهذا المصطلح من الأساس، فإليك هذا المقال الدليلي الذي نبدؤه بطابع سرديّ وَجَب ذكره ليُعرفّك أكثر عن الترجمة القانونية، والمهارات التي ستخدمك كمترجم قانوني، والتحديات التي ستواجهك في هذا الطريق، ومن ثم ننتقل إلى العديد من الأمثلة التطبيقية التي تنتظرك بين أسطر المقال، فضلًا عن بعض النصائح العملية لتقوية ترجمتك القانونية.

جدول المحتويات:

يشير مفهوم الترجمة القانونية Legal translation إلى ذلك النوع من الترجمة الذي يختص بالتعامل مع النصوص القانونية، لترجمتها من اللغة المصدر وهي اللغة المطلوب الترجمة منها، إلى اللغة الهدف وهي اللغة المطلوب الترجمة إليها. وهذا النوع من الترجمة عالِ التخصص وشديد الحساسية، إذ يتطلب خلفية قانونية غير سطحية لإنجازه، وفهمًا قانونيًا كاملًا للنص الأصلي وما يقابله أو يكافئه بلغة القانون في النظام القانوني التابع للغة المستهدفة، للحصول على نص مترجم يحمل التفسير نفسه بالأسلوب نفسه المستخدم في اللغة المصدر.

ولا شك في أن المترجمين المحترفين والمتخصصين في علوم القانون هم في الغالب من تُعتَمد ترجمتهم، ويُخوَّل لهم التعامل مع النصوص القانونية في هذا الصدد. أما مَن يفتقرون للخلفية أو الدراسة القانونية من المترجمين ويرغبون في التحوّل إلى مجال الترجمة القانونية، فلا بد أن يُسبق ذلك بمرحلة تعليمية مكثّفة من التدريب والدراسة والتعمق القانوني واللغوي، لاكتساب الخبرة التي تؤهلهم للتحوّل إلى هذا المجال.

في إطار متزامن مع انفتاح المجتمعات على بعضها البعض، وتعانُق معاملات سوق العمل محليًا ودوليًا، وما يتولَّد عن هذا وذاك من معاملات قانونية أو عقدية أو قضائية، يتجلَّى مدى أهمية الترجمة القانونية، لتمثّل حلقة وصل وترجمان لمختلف الأنظمة القانونية والمعاملات العقدية والقضايا وغيرها. كما أن إمكانية الحصول على خدمات الترجمة القانونية الاحترافية يفتح الباب على مصرعيه أمام الاستثمارات الأجنبية وحركة التجارة العالمية.

ولا شك في أن الترجمة القانونية لها أهميتها في فتح باب التعاون والتفاهم الدولي والتفاوض حول القضايا الدولية ذات الشأن المشترك، لإيصال وترجمة وجهات النظر الدولية والمباحثات والحلول المقترحة حول تلك القضايا، مثل: قضايا الإرهاب والجرائم الدولية وغيرها.

إن القدرة على ترجمة النصوص القانونية لها دورها البارز والمهم الذي تلعبه في صميم عمل القانونيين، فالقانوني متعدد اللغات يتمكن من الاستعانة بالمصادر الأجنبية في كتاباته وأعماله إن لزم الأمر، كما أنه يحظى بأولوية دخول سوق العمل الدولي، والحصول على فرصة عمل في الشركات أو المنظمات الأجنبية والدولية. ومن جانب آخر؛ فقد يحيد القانوني عن ممارسة الأعمال القانونية التقليدية مثل المحاماة، ويقرر أن يتفرغ لامتهان الترجمة القانونية، مستغلًا ما يتمتع به من خلفية قانونية ومهارة لغوية في العمل كمترجم قانوني.

تتعدد خدمات الترجمة القانونية التي يمكن أن يقدمها المترجم القانوني، إذ يضم هذا النوع من الترجمة تحت جناحَيه كل ما له صلة بالمستندات والوثائق والنصوص القانونية، مثل: مستندات القوانين واللوائح والعقود القانونية والدعاوى المدنية والدعاوى الجنائية ونصوص المرافعات والتوكيلات وقوانين التحكيم الدولي والتراخيص وخطابات الاعتماد ونصوص شهادات الشهود والمرافعات القضائية وعقود الملكية والإيجار، وغيرها الكثير مما يقع تحت طاولة القانون مَدَنيًا أو جنائيًا، ومحليًا أو دوليًا.

وكسائر أعمال الترجمة، فإن المترجم القانوني يتمتع بمرونة في الطريقة التي يمكنه من خلالها تقديم خدمات الترجمة القانونية، إذ يمكنه توظيف نفسه من خلال مواقع العمل الحر مثل منصة خمسات أكبر سوق عربي للخدمات المصغرة، لينضم إلى المترجمين القانونيين الذين يقدمون مختلف خدمات الترجمة القانونية الاحترافية من خلال تلك المنصة.

كما أشرنا، فإن ترجمة النصوص القانونية في غاية الحساسية، ولا شك في أن تحرِّي الدقة فيها هو ضرورة حتمية وليس قيمة مضافة. ولا خيار أمام المترجم القانوني سوى تقديم ترجمة ذات جودة كاملة، بنسبة خطأ تؤول إلى الصفر، لأن المسائل القانونية تحسم مصائر الأفراد والشركات والمؤسسات، وتفصل في الحقوق والمنازعات، وتتطرق إلى القوانين المحلية والدولية، فلا مجال ألبتة للخطأ في مثل تلك المسائل الحساسة، لأن هذا الخطأ مهما كان صغيرًا قد يؤدي إلى بطلان الوثيقة المترجمة.

من هذا المنطلق، فإن ثمة مؤهلات ومهارات يجب أن يتمتع بها المترجم القانوني، ليتمكن عن طريقها من تحقيق متطلبات الترجمة القانونية على المستوى المطلوب. وفيما يلي نشير إلى تلك المهارات والمؤهلات ودورها في تلبية متطلبات ترجمة النصوص القانونية.

1. الخلفية القانونية

كما أن الترجمة الطبية تتطلب دراسة طبية لإعدادها أو على الأقل خلفية طبية، وتتطلب الترجمة التقنية دراسة تقنية لإعدادها أو على الأقل خلفية تقنية، فإن الترجمة القانونية تتطلب بلا شك خلفية قانونية عميقة، ليس فقط لترجمة المصطلحات القانونية، بل ووضعها في سياقها المناسب الذي يستهدفه النص الأصلي، وهو ما يتطلب فهمًا عميقًا للوثيقة المطلوب ترجمتها ككل، وليس فهمًا جزئيًا أو حرفيًا.

ولا يقتصر الأمر على المعرفة القانونية للنظام القانوني الذي يترجم منه المترجم القانوني، بل إن الأمر يتوسع ليشمل النظام القانوني الذي يترجم إليه، بسبب اختلاف المصطلحات والتراكيب بين الأنظمة القانونية حتى وإن كانت للغة واحدة، فالنظام القانوني المصري يختلف عن المغربي، والنظام القانوني الأمريكي يختلف عن الإنجليزي كما سنوضح لاحقًا. تابع المقال لإمدادك بالعديد من المصادر التي ستعزز خلفيتك القانونية.

2. اللغة

اللغة هي المهارة الأهم التي يجب أن يتمتع بها المترجم القانوني، وهي الوسيلة التي يتمكن من خلالها من ترجمة النصوص القانونية وفق فهمه القانوني للوثيقة. جدير بالذِّكر أنه لا يمكن لأي شخص أو مترجم يمتلك لغة أجنبية أن يُترجم النصوص القانونية، لافتقاره للمصطلحات الفنية التي تُبنى عليها لغة القانون وأنظمته. نشير في نهاية المقال للعديد من المصادر التي ستساعدك في تقوية لغتك القانونية.

3. مهارات العمل عن بعد

ككثير من مجالات الترجمة، فإن ترجمة النصوص القانونية من الأعمال التي تتم في الغالب عن بعد، إما بتوظيفك لصالح إحدى الشركات أو المؤسسات بنظام العمل عن بعد، أو بتوظيف نفسك في إحدى منصات العمل الحر مثل منصة خمسات، ويتطلب هذا الإلمام بمهارات العمل عن بعد التي تُعدّ متطلّبًا يكفل نجاح هذا النمط غير التقليدي من العمل، مثل:

  • إدارة الوقت: عندما يكون مقر عملك هو بيتك أو مكتبك الخاص، فإن السيطرة على الوقت قد يكون تحديًا. لذا، فمن الضروري تعلُّم مهارات إدارة الوقت، لإنجاز مهامك في وقتها المحدد وتحقيق التوازن بين حياتك المهنية وحياتك الشخصية.
  • التواصل عن بعد: يتم التواصل في مجالات الترجمة غالبًا عن بعد، ويتطلب هذا أن تمتلك مهارات استخدام الأدوات التي تمكّنك من اللقاءات المباشرة مع العملاء إن تطلب الأمر، مثل: Zoom أو Skype. بالإضافة إلى أدوات تنظيم تسليم المهام وإدارتها مثل: أنا.
  • التفاوض والإقناع: لا تكفي مهارة استخدام أدوات التواصل وحدها، فيجب أن يَصحب ذلك قدرتك على التفاوض مع عملائك عن بعد بالصورة اللائقة والاحترافية لتحديد طبيعة العمل بينكما وخطته.

للترجمة القانونية قواعد واستراتيجيات وتقنيات متعارف عليها يجب أن تسير عملية الترجمة وفقًا لها، لتخرج الوثيقة المترجمة صورة مطابقة للنص الأصلي في اللغة المصدر، وفي الوقت نفسه متوافقة مع النظام القانوني للغة الهدف. إليك إشارة تفصيلية لاستراتيجيات الترجمة القانونية، مع العديد من الأمثلة التي ستساعدك على استيعاب تلك الاستراتيجيات.

1. التكافؤ الوظيفي

التكافؤ الوظيفي (Functional equivalence) هو الاستراتيجية الأولى والقاعدة الأساسية التي يجب أن يلجأ إليها المترجم القانوني، وهو يعني أن يبحث عن المصطلح القانوني الذي يؤدي المعنى المطلوب وظيفيًا للمصطلح المطلوب في اللغة الهدف. والتكافؤ الوظيفي هو الأولى لمخاطبة كل نظام قانوني بالمصطلح الوظيفي المناسب.

فمثلًا، مصطلح “المذكرة الجوابية” أو “اللائحة الجوابية” تُترجم وفقًا للنظام القانوني الإنجليزي بـ (reply to defence)، بينما تُترجم وفقًا للنظام القانوني الأمريكي بـ (motion). ومصطلح (rent value) يُترجم وفقًا للنظام القانوني المصري إلى “القيمة الإيجارية”، بينما يُترجم وفقًا للنظام القانوني المغربي إلى “السومة الكرائية”.

2. التكافؤ اللفظي/ المعجمي (Formal/Lexical equivalence)

إذا لم يجد المترجم القانوني مكافئًا وظيفيًا للمصطلح الذي يريده في اللغة الهدف، بسبب اختلاف النظام القانوني للغتين، فيمكن أن يلجأ إلى استخدام الاستراتيجية الثانية وهي التكافؤ اللفظي (Formal/Lexical equivalence). ومعنى التكافؤ اللفظي هو أن يبحث المترجم عن مصطلح يكافئ المصطلح المطلوب معجميًا في اللغة الهدف.

ونُنوِّه هنا إلى أن المترجم القانوني يجب عليه ألا يلجأ إلى استراتيجية التكافؤ اللفظي إلا إذا استحال وجود مكافئ وظيفي للمصطلح المطلوب، لأن المبالغة في اعتماد هذه الاستراتيجية سيجعل الترجمة تبدو وكأنها ترجمة حرفية. ويتطلّب هذا الأمر من المترجم أن يكون على اطلاع دائم على الأنظمة القانونية، ليضع مصطلحاتها رهن المقارنة المستمرة.

3. الشرح في المتن

إذا لم يجد المترجم القانوني مصطلحًا يوافق أو يكافئ المصطلح المطلوب وظيفيًا ولا لفظيًا، فمن الممكن أن يلجأ إلى استراتيجية الشرح في المتن في محاولة لشرح وإيصال المعنى المطلوب للمصطلح الأصلي داخل نص الوثيقة. ويعتمد مدى جودة شرح المترجم للمصطلح على مقدار فهمه القانوني الصحيح لمعناه في سياقه في النص الأصلي.

ويحدث ألا يوجد مكافئًا وظيفيًا أو معجميًا لبعض المصطلحات في بعض الحالات عندما يرتكز النظام القانوني في نقطة ما على مرجعية ترتبط بثقافة معينة يصعب فهمها على الأجانب، فتستلزم من المترجم شرحها داخل متن الوثيقة.

مثال: مصطلح “أقرب الأجلين” المستخدم في بعض الأنظمة القانونية العربية في معاملات عقود الزواج لا يوجد له مكافئ وظيفي أو لفظي في أنظمة القانون الأوروبية، وإن وجدت ترجمة حرفية له فإنها لن توصّل المعنى الشرعي والقانوني المطلوب، فيتوجب على المترجم استيعابه وفهمه فهمًا كاملًا في سياقه الصحيح، ومن ثم يشرحه في متن الترجمة.

لاحظ المثال التالي: “والباقي في ذمة الزوج لأقرب الأجلين”، فتكون الترجمة: (and the rest is in the custody of the husband to the destiny of either death or divorce)، الأمر الذي يعني أن “أقرب الأجلين” في هذا السياق معناها “الموت أو الطلاق”، وهو ما لزم شرحه داخل المتن. ويجوز أن يشرح المترجمون مثل تلك المصطلحات في حاشية، ولكن الأفضل الشرح داخل المتن نفسه.

4. الحذف

قد يلجأ المترجم إلى حذف بعض الكلمات الزائدة من النص الأصلي، وهو أمر جائز فقط حينما لا يؤثر هذا الحذف على سياق المعنى، ولا على المعلومات التي تلزم مُتلقِّي الترجمة، ولا يؤدي إلى إشكالات قضائية من أي نوع.

مثال: في جملة “وقد صرَّحت أنها بِكر على خاتم ربها”، فجملة “على خاتم ربها” يمكن حذفها هنا، ولن تؤثر على معنى الترجمة، بل إن وجودها في وثيقة مترجمة لأحد الأنظمة الأوروبية مثلًا قد يشكِّل لَبسًا وغموضًا على متلقِّي الترجمة، فيمكن حذفها ونكتفي بترجمتها (Single) أو (Unmarried).

5. النقحرة

إذا لم يتمكن المترجم القانوني من إيصال المعنى المطلوب وترجمته بأيّ من الطرق الأخرى، وتأكد تمامًا أن المصطلح الذي أمامه لا يوجد ما يكافئه وظيفيًا أو لفظيًا، وأنه لا يمكن بأي حال شرحه في المتن، فيجوز أن يلجأ إلى ما هو متعارف على تسميته بالنَّقحرة (Transliteration).

والنَّقحرة هي كلمة حولها بعض الجدل اللغوي مستلهمة من “النقل الحرفي”، ومتعارف على معناها لدى المترجمين بأنها نقل نطق المصطلح الأصلي في اللغة الأصل دون ترجمة إلى حروف اللغة الهدف. فمثلًا، مصطلح “الزكاة” يُترجم إلى الإنجليزية بـ (Zakat/Zakah)، لأن خضوع هذا المصطلح للترجمة يفقده دلالته، وقد يؤدي للخلط بينه وبين مفهوم الصدقة (alms)، ومعلوم أن الزكاة والصدقة غير متطابقين في مقصد الشريعة الإسلامية منهما.

وكذلك الأمر بالنسبة لأسماء العلامات التجارية والمنتجات التي تخضع للنقحرة ولا تُترجم، حتى لا تفقد العلامات التجارية أو المنتجات هوية اسمها. ويجب أن يحترس المترجم من المبالغة في استخدام النقحرة، لأن الترجمة المبالغ في نقحرة مصطلحاتها بدون داعٍ لا تدل إلا على عجز المُترجم عن الوصول إلى المعاني المطلوبة بالطريقة المناسبة، كما أنها تجعل الوثيقة المُترجمة صعبة الفهم على المتلقِّين.

6. إضافة مصطلح جديد

إذا استنفد المترجم محاولاته في إيجاد معنى للمصطلح المطلوب بالطرق السابقة، قد يلجأ إلى استحداث مصطلح جديد (Neologism) ليُعبر به عن المعنى في السياق المطلوب، والاستحداث هنا معناه أنه يمكن أن يتنقِ المترجم لفظًا من اللغة العامة غير القانونية ليعبر به عن المصطلح.

ومن الضروري جدًا قبل أن يشرع المترجم في وضع مصطلح جديد أن يتأكد تمامًا أن هذا المصطلح ليس موجودًا في الأنظمة القانونية قديمًا أو حديثًا، لأنه إذا وُجد هذا المصطلح من قبل في لغة القانون، فبديهي أن يكون له معنى آخر ومقصدًا قانونيًا مختلفًا، الأمر الذي يُحوِّل سياق المعنى تمامًا.

7. الأقلمة

الأقلمة (Acclimtization) هي قاعدة عامة وأساسية يجب أن يتبعها المترجمون القانونيون، وهي تعني أن يحرص المترجم في جميع أعماله على أن يُوطِّن ويُؤقلم الترجمة القانونية التي يعمل عليها وفقًا للمعايير الاصطلاحية والقواعد المتعارف عليها والمحددة من جهة النظام القانوني الذي يُترجِم إليه. ومعنى ذلك أن كل ما يتوجّب تغيره لتتأقلم الوثيقة النهائية مع النظام القانوني للغة الهدف هو مسؤولية تقع على عاتق المترجم.

لنضرب مثالًا للتوضيح، إذا كنت تترجم وثيقة من النظام القانوني المصري إلى النظام القانوني التابع لإحدى الدول الأوروبية، فمن أبسط الاختلافات التي يجب مراعاتها في ترجمتك التي ستقدمها إلى العميل هي طريقة كتابة الاسم الشخصي داخل الوثيقة، فالقانون المصري يعتمد الاسم الرباعي (اسم الشخص فالأب فالجد فالعائلة) على التوالي، بينما تعتمد الأنظمة القانونية للدول الأوروبية اسم الشخص والعائلة فقط، في حين أن اسم الأب يُذكر على حدة.

8.التكرار والترادُف في المعنى

قد تحتوي الوثيقة القانونية المطلوب ترجمتها على بعض الكلمات المترادفة في المعنى، وهو تقليد معهود يفضِّل أن يتبعه كثير من المحررين في أسلوب كتابة الوثائق القانونية، ومن أمثلة ذلك (Null and void) التي تُترجم إلى غش وخداع.

وقد يتبع محرر الوثيقة هذا النمط احتياطًا من الاختلافات الطفيفة في المعنى التي قد يكون لها تأثير، مثل كلمة (atler) التي تعني التغيير الشكلي، بينما (change) تعني التغيير الجوهري الكلي، فيجدر إذًا عدم حذف أحدهما، حتى لا يترتب على ذلك مشكلات قانونية. باختصار، يجب عليك عدم ترجمة المصطلحات المترادفة المكررة بكلمة واحدة احتياطًا، إلا إذا تعذّر ذلك، وتأكّدت من خلوّه من أي مغالطات، مثل مصطلح (Keep and maintain) الذي يكفي أن يُترجَم بـ “يحافظ على”، و(Every and each) الذي يكفي أن يُترجَم بـ “كل”.

9. الألفاظ الرسمية

من قواعد وسمات لغة القانون أنها لغة رسمية صريحة ومباشرة لا تعتمد على التعابير المجازية أو الاستعارات أو المحسنات البديعية التي قد تُسبب إشكالات قانونية لا داعي لها. فاحرص على الابتعاد عن الكنايات والعبارات الأدبية في ترجمتك للنص الأصلي. فمثلًا، الفعل “تجاهل” يُترجم مباشرة إلى (Ignored) ولا يجوز أن يُترجم إلى تعبير مجازي مثل: (turned the deaf ear).

كما ذكرنا، فإن ترجمة النصوص القانونية متخصصة في مصطلحاتها، حتى أن بعض الكلمات المتعارف على استخدامها في اللغة الإنجليزية العادية يكون لها استخدام مختلف في السياق القانوني. ولتوضيح ذلك، سنستعرض بعض الأمثلة التطبيقية من خلال بعض قواعد لغة القانون المتخصصة.

1. استخدام shall

كلمة (shall) شائعة الاستخدام في الوثائق القانونية، غير أنها تُتَرجم في الترجمة القانونية وفقًا لقواعد مختلفة عن طريقة ترجمتها في اللغة الإنجليزية العادية. وقد يخطئ كثير من المترجمين في ترجمة (shall)، إذ يترجمونها كتعبير عن المستقبل بمعنى “سوف”، أو يترجمونها إلى “يجب” في جميع مواضعها. والصواب أن تُتَرجم (shall) إلى فعل مضارع عند الترجمة إلى العربية، أو قد تُترجم في بعض الأحيان إلى صيغة الإلزام “يجب” حسب السياق، ولكن هذا لا يُفضل في جميع الأحوال، حتى لا تصبح الوثيقة المترجمة عبارة عن مجموعة من الأوامر المجرّدة المبالغ فيها.

مثال: (The second party shall pay to the first party three thousand dollars)، يُترجم هذا المثال إلى: “يدفع الطرف الثاني إلى الطرف الأول ثلاث آلاف دولار”، وليس: “يجب أن يدفع الطرف الثاني إلى الطرف الأول ثلاث آلاف دولار”.

2. استخدام may

إذا كان سياق الجملة يتحدث عن منح حقوق أو امتيازات أو حرية اختيار فلا يمكن استخدام (shall)، بل تُستخدم (may) للإيحاء بعد الإلزام على الجهة المعنية أو الشخص المقصود، وتُترجم بمعنى يجوز أو يحق.

مثال: (In case of emergency, the second party may enter the dwelling) يُترجم هذا المثال إلى: “يجوز للطرف الثاني دخول المسكن في حالة الطوارئ”. ويمكن استبدال (may) في المثال السابق بـ (is entitled to) أو (has the right to).

3. استخدامات here + adverb

من الشائع جدًا استخدام الصيغة (here + adverb) في الوثائق القانونية، بخلاف نصوص اللغة الإنجليزية العادية التي يندر فيها استخدام تلك الصيغة. وقد يتجاهل ترجمة هذه الصيغة المترجمون المبتدئون لجهلهم بها، لكن هذه الصيغة صفة مميزة لأسلوب الوثائق القانونية المتعارف عليه، وهو ما لا يجدر تجاهله. نشير فيما يلي إلى أشهر استخدامات (here + adverb):

  • hereby: وتعني بموجب هذه الوثيقة/ الاتفاقية/ العقد/ القانون ونحو ذلك.
  • hereunder: وتعني من هذا القانون/ العقد/ الاتفاقية/ الوثيقة ونحو ذلك.
  • hereof: وتعني فيما يتعلق أو بخصوص.
  • herein: وتعني في هذا القانون/ العقد/ الاتفاقية/ الوثيقة ونحو ذلك.
  • hereinafter: وتعني فيما بعد أو أدناه أو لاحقًا.
  • hereinabove: وتعني سابقًا أو أعلاه أو آنفًا.
  • herewith: وتعني المرفق.

4. الأساليب البديلة

بخلاف نصوص اللغة الإنجليزية العامة، فإنه يحذر استخدام الأساليب البديلة في الترجمة القانونية قدر الإمكان، حتى لا يحدث خلط أو لبس في تحديد الطرف المعنيّ. ومن الأساليب البديلة التي يفضل الابتعاد عنها والتصريح بالفاعل مباشرةً سواء في اللغة المصدر أو الهدف:

  • الضمائر الشخصية
  • ضمائر الإشارة
  • ضمائر الغائب
  • المبني للمجهول

ففي مثال: (The first party shall pay to the second party in the office of the first party)، يجب أن يُترجم هذا النص إلى: “يدفع الطرف الأول إلى الطرف الثاني في مكتب الطرف الأول” وليس: “يدفع الطرف الأول إلى الطرف الثاني في مكتبه”، لأن هذا سيُحدث لَبسًا واضحًا في تحديد مكتب الطرف الذي سيتم الدفع فيه.

كما أشرنا، فإن الترجمة القانونية من أصعب مجالات الترجمة -إن لم تكن أصعبها على الإطلاق- ويقف وراء ذلك بعض الصعوبات التي تجعل امتهان هذا النوع من الترجمة تحديًا أمام كثير من المترجمين، وعائقًا أمام غير الجادّين منهم. نشير فيما يلي إلى أبرز تلك التحديات.

1. المصطلحات المعقدة

المصطلحات والتراكيب القانونية معقدة حتى على متحدثي اللغة التابعة للنظام القانوني، وهو أكبر عائق يمثل تحديًا أمام المبتدئين. وكما أشرنا؛ فإن وجود خلفية قانونية غير سطحية لدى المترجم ستساعده على تجاوز هذا التحدي. وسنشير لاحقًا لكيفية تقوية اللغة القانونية.

2. اعتماد الترجمة وموثوقيتها

إن التحدي الأكبر من ضمن صعوبات الترجمة القانونية الذي ينتظر المترجمون القانونيون هو اعتماد الترجمة التي عملوا عليها، إذ ينتظر الوثيقة المترجمة مراجعة تدقيقية ولغوية من مترجم قانوني معتمد قبل اعتمادها والموافقة عليها، بالإضافة لخبير لغويات لغته الأم هي اللغة الهدف للوثيقة. كل تلك الإجراءات ضرورية لضمان جودة الترجمة، ولازمة لحسم قرار اعتماد المترجم القانوني من عدمه.

3. صعوبة أتمتة الترجمة

قد تقبل بعض مجالات الترجمة الاستعانة بأدوات الأتمتة، وهي تلك التطبيقات والبرامج التي توفر ترجمة آلية أو أوتوماتيكية فورية للنص أو للمصطلحات المطلوبة. وعلى الرغم من أن هذا الأمر أقرب إلى الحَرْفية، غير أنه قد يساعد المترجمين -خاصةً المبتدئين- على تفسير كثير من المصطلحات.

أما فيما يتعلق بأتمتة الترجمة القانونية، فالأمر مختلف تمامًا، إذ إنه من الصعوبة بمكان ترجمة النصوص أو المصطلحات أو التراكيب القانونية المتخصصة آليًا. ويُشكّل هذا الأمر تحديًا أمام المترجمين، لكن المشهد ليس سوداويًا إلى هذا الحد، فثمّة بعض القواميس والمعاجم والمواقع القانونية المتخصصة في ترجمة المصطلحات القانونية، والتي سنشير إلي بعضها في نهاية المقال. ونُنوِّه إلى أن تلك القواميس ما هي إلا عوامل مساعدة، إذ يقع وضع المصطلح في السياق الصحيح على عاتق المترجم.

4. الإلمام بنظامين قانونيين مختلفين

من صعوبات الترجمة القانونية أنها تتطلب أن يكون المترجم ملمًا بالمصطلحات القانونية المعمول بها في نظامين قانونيين مختلفين للغة المصدر واللغة الهدف، فلكل نظام قانوني مصطلحاته الخاصة التي تختلف عن الأنظمة الأخرى، صحيح أنها تعطي المعنى نفسه في اللغتين، لكن لا يمكن فهمها إلا باستخدام المصطلحات القانونية المتعارف عليها الخاصة بكل نظام.

5. أخلاقيات الترجمة القانونية

في الوقت الذي يتسابق فيه ممتهنو العمل الحر على وضع نماذج أعمالهم السابقة في معرض أعمالهم؛ يجد المترجم القانوني نفسه أمام تحدٍ جديد من تحديات ترجمة النصوص القانونية، وهو “أخلاقيات المهنة”، إذ تتعلق الوثائق القانونية في الغالب بمعلومات لا يُفضِّل أصحابها الإفصاح عنها، أو قد تتعلق بجهات أو منظمات حساسة يشترط أصحابها السرية، وهو ما لا يجب التهاون فيه.

فيجب أن يلتزم المترجم القانوني بالأمانة والسرية لحفظ المعلومات التي ائتُمِن عليها. أما إذا رغب في عرض نماذج تُبيّن جودة أعماله، فيمكنه العمل على نماذج من إعداده خصيصًا لهذا الغرض، أو عرض سابقة أعمال للعملاء الذين لا يتضررون من ذلك بعد طلب الإذن منهم.

قد تكون مبتدئًا في ترجمة النصوص القانونية، لكن الممارسة والعمل على تطوير مهاراتك واطلاعك على مستجدات المجال القانوني الذي تخصصت فيه، كل ذلك سيساعدك على تثبيت أقدامك في سوق العمل ويؤهلك للاحتراف. ويعتمد تحسين الترجمة القانونية وجودتها على شقَّين، القانوني واللغوي على النحو التالي:

أولًا: تحسين الجانب القانوني

من المهم أن تسعى إلى تعميق فهمك القانوني، وتطلع على المستجدات القانونية التي تطرأ على الأنظمة القانونية التي تعمل عليها، لأن ذلك سيكون مرجعك لفهم السياق العام للوثائق القانونية المطلوب ترجمتها، مما يساعدك على إعداد ترجمة قانونية احترافية تحمل السياق نفسه للوثيقة الأصلية بدون تحريف أو تأويل خاطئ.

ويمكنك العمل على صقل الخلفية القانونية لديك من خلال الاطلاع على الدورات التدريبية والكورسات القانونية المتاحة عبر الإنترنت، إذ توفر لك العديد من المنصات الشروحات والتدريبات التي يمكنك الرجوع إليها لتعزيز فهمك للمجال أو التخصص القانوني الذي تستهدفه. إليك أبرز المنصات التي تقدم الدورات القانونية عبر الإنترنت:

1. منصة Coursera

تقدم منصة Coursera العديد من الدورات القانونية التي حتمًا ستجد من بينها ما يدعم ويعزِّز خلفيتك القانونية، ويعمِّق فهمك القانوني في التخصص الذي تريده، مثل:

  • القانون العام الإنجليزي: تتناول دورة القانون العام الإنجليزي شرح النظام القانوني للمحاكم الإنجليزية، وقانون الاتحاد الأوروبي وحقوق الإنسان.
  • القانون الجنائي الدولي: تتناول هذه الدورة مقدمة لشرح القانون الجنائي الدولي وأساسياته، والجرائم الدولية مثل: جرائم الإبادة الجماعية والإرهاب ونحو ذلك.
  • أدوات طالب القانون: تتناول دورة أدوات طالب القانون كل ما يحتاجه دارس علم القانون من أدوات ومهارات، لتحقيق النجاح في مهامه القانونية وحياته المهنية.

2. منصة edX

يمكنك من خلال منصة edX الاطلاع على المزيد من الدورات القانونية في تخصصات متعددة، ومنها:

  • قوانين الملكية الفكرية: تختص دورة قوانين الملكية الفكرية بشرح قوانين حقوق الطبع والنشر، وقوانين حفظ حقوق العلامات التجارية وغيرها.
  • قانون الاستثمار الدولي: تتناول دورة قانون الاستثمار الدولي شرح الميزات التي يمنحها القانون الدولي للمستثمرين الأجانب لدخول سوق الاستثمارات للمساهمة في نهضة الدول.

3. منصة Udemy

تتيح لك منصة Udemy دورات قانونية في تخصصات شتى، مثل:

  • قانون العقود: قانون العقود هو عبارة عن دورة تدريبية تركز على المصطلحات القانونية المتعلقة بقوانين العقود، وتستهدف بشكل أساسي المتحدثين غير الأصليين للغة الإنجليزية.
  • كتابة العقود التجارية: ستساعدك دورة كتابة العقود التجارية على تعلم الكيفية المتعارف عليها قانونيًا لكتابة مشاريع العقود التجارية، والطرق المتبعة للتفاوض بشأنها، واتفاقيات السرية وعدم الإفشاء.

ثانيًا: تحسين الجانب اللغوي

كلما عملت على تحسين الجانب اللغوي للغة الأجنبية التي تختص بترجمتها، ارتقى مستوى الترجمة القانونية خاصتك. وفيما يلي إليك بعض النصائح التي ستساعدك على تقوية مهاراتك اللغوية في الترجمة القانونية:

1. كثِّف قراءاتك القانونية

داوم على قراءة الكتب القانونية خاصة الكتب ثنائية اللغة، لتزيد من حصيلة مفرداتك ومصطلحاتك اللغوية القانونية، وتتعرف على كيفية وضعها في سياقها الصحيح، وتتمرّس على التراكيب القانونية. واهتم كذلك بقراءة الكتب المتخصصة المتعلقة بالترجمة القانونية مثل:

يتحدث هذا الكتاب عن فن ترجمة النصوص القانونية، ويتناول بالتفصيل عقود الشركات والمؤسسات التجارية، وعقود الوكالة والوساطة والتراخيص التجارية وغيرها.

يتحدث هذا الكتاب باستفاضة عن كيفية ترجمة واستخدام المصطلحات القانونية في سياقات مختلفة، ويتطرّق إلى استراتيجيات وأساليب استخدام المصطلحات القانونية المركبة وترجمتها. ويشتمل على العديد من النصوص القانونية المختلفة، مثل: النصوص الرسمية وعقود البيع والشراء والمعاملات وحقوق الإنسان والزواج والطلاق وغيرها.

سيساعدك هذا الكتاب على توسيع قاعدة مفرداتك القانونية، فهو بمثابة مرجع يركّز على تعليم المصطلحات والتراكيب الإنجليزية في مختلف التخصصات القانونية.

يتناول هذا الكتاب ترجمة النصوص القانونية من منظور تحليلي، مع التدعيم بالعديد من الأمثلة والإرشادات والتدريبات المحلولة.

2. حدِّث معلوماتك وطوّر مهاراتك

لتطوير مهاراتك اللغوية في ترجمة النصوص القانونية يمكنك الاستعانة بالدورات التدريبية المتخصصة في الترجمة، مثل الدورة التدريبية المُقدَّمة من أكاديمية المترجمين، وهي دورة مجانية تشرح أهم المهارات التي يحتاجها المترجمون. وإذا أردت تطوير مهاراتك في الترجمة القانونية بطريقة أكثر تخصصًا، فيمكنك التَّقدُّم لدراسة الدبلومات المتاحة في هذا الصدد، مثل دبلومة الترجمة القانونية التي تقدمها الجامعة الأمريكية بالقاهرة.

واحرص على أن تكون باحثًا مستمرًا، لتطّلع على مستحدثات الأنظمة القانونية، فكل بلد لها نظامها القانوني المتفرّد، وفلسفتها القانونية الخاصة، ووارد أن يطرأ على ذلك بعض التغييرات التي يجب أن تكن على علم بها.

3. استعِن بالأدوات العملية

لا غنى للمترجم القانوني عن بعض الأدوات التي ستساعده في إنجاز عمله بالجودة المطلوبة. وننوِّه هنا إلى أن تلك الأدوات ما هي إلا وسائل مساعدة لا يمكنك الاعتماد عليها كليًا. نشير فيما يلي إلى بعض من أبرز أدوات الترجمة القانونية:

  • Uslegal: موقع Uslegal سيساعدك على فهم الصيغ القانونية والمصطلحات التي يصعب عليك ترجمتها أو فهمها، ويقدم لك شرحًا وتفسيرًا لها.
  • Dictionary Law: قاموس Dictionary Law يقدم العديد من المعلومات حول المصطلحات القانونية.
  • LawInfo: القاموس القانوني LawInfo هو قاموس مجاني سيساعدك على استيعاب المصطلحات القانونية والتجارية.
  • Grammarly: موقع Grammarly هو موقع لتصحيح أخطاء كتابة النصوص الإنجليزية.
  • Glosbe: يضم قاموس Glosbe نصوصًا متقابلة مزدوجة اللغة، مع تقديم الشروحات والأمثلة لكل مصطلح لغوي وما يقابله في اللغة الهدف.

ختامًا، فقد قدَّمنا في هذا المقال دليلًا شاملًا، كشفنا فيه عن معالم الترجمة القانونية ومتطلَّباتها وتحديَّاتها، وتطرَّقنا إلى العديد من التقنيات المستخدمة فيها. وتجدر الإشارة إلى أن الصعوبة التي تكمن في الترجمة القانونية هي في حقيقتها أكبر دافع يدفع المترجمون لاستيفاء شروط الجودة في أعمالهم، مما يفتح أمامهم أبواب الاحتراف ويؤهلهم للاعتماد.

تم النشر في: خدمات قانونية