بعد سنوات من عملي في تطوير المواقع باستخدام أنظمة إدارة المحتوى CMS، وخصوصًا ووردبريس، يمكنني القول إن اختيار النظام المناسب يمكن أن يكون الفارق بين موقع ناجح يحقق أهدافه بسهولة في الإدارة والتطوير، وآخر يعاني من مشكلاتٍ مستمرة. فما هي أنظمة إدارة المحتوى؟ وكيف تختار النظام المناسب لموقعك؟
ما هي أنظمة إدارة المحتوى CMS؟ وما أنواعها؟
من اسمها، أنظمة إدارة المحتوى هي أدوات تمكّن أصحاب المواقع من إنشاء مواقعهم وإدارتها وتحرير محتواها ونشره بسهولة، دون الحاجة إلى بناء الموقع من الصفر أو برمجة نظام خاص بكل موقع باستخدام لغات البرمجة مثل PHP، وJavaScript، وSQL.
تأخذ أنظمة إدارة المحتوى ما يُدخله أصحاب المواقع في واجهتها الخلفية من نصوص وصور وأنواع أخرى من المحتوى، وتحوّلها إلى صفحات ويب تلقائيًا. ويمكن تصنيفها بأكثر من طريقة، كالآتي:
حسب الاستضافة
يمكن تصنيف أنظمة إدارة المحتوى بحسب الاستضافة إلى:
1. أنظمة مستضافة ذاتيًّا Self-Hosted CMS
تحتاج هذه الأنظمة إلى استئجار استضافة أو خادم لتثبيت النظام عليه، وتحمل مسؤولية إدارة الاستضافة وصيانة الخوادم والبنية التحتية التي تشغل النظام، بما في ذلك الأمان، والتحديثات، والنسخ الاحتياطي، وإصلاح الأعطال.
يناسب هذا النموذج المواقع التي تحتاج ميزات متقدمة أو لتخصيص نظام إدارة محتوى مفتوح المصدر وتثبيته بطريقةٍ خاصة، وهذا ما يجعل التكاليف المبدئية أكثر، إضافةً إلى تكاليف التخصيص والتحديث والصيانة الدورية. من أبرز هذه الأنظمة: ووردبريس وجوملا ودروبال وغيرها.
2. أنظمة إدارة المحتوى كخدمة SaaS CMS
تتميز أنظمة إدارة المحتوى المستضافة كخدمة بسهولة استخدامها وإمكانية بدء العمل بها دون أي خبرة تقنية. فهي تتضمن استضافة مدمجة، وتزيل عن مالك الموقع عبء التعامل مع الجوانب التقنية مثل إدارة النظام وتطويره، وصيانته وتحديثه دوريًا، وحمايته.
لكنّها على الجانب الآخر، لديها بعض القيود في سياق محدودية الميزات المجانية أو صعوبة التطوير والتوسّع مع الوقت أو ارتفاع تكلفة الاشتراك. تقدّم خدمات مثل Ghost هذا النموذج، لكن أسعاره عالية جدًا.
حسب سهولة التحرير
يمكن تصنيف أنظمة إدارة المحتوى بحسب سهولة تحرير المحتوى وإضافته كالآتي:
1. أنظمة تعتمد على المحرر البصري
تسهل عملية إدارة الموقع وتحديثه وتعديل صفحاته من خلال واجهة مرئية سهلة، بها خيارات كثيرة للتخصيص دون الحاجة لخبرة برمجية، لكنّها تحتاج إلى هذه الخبرة في التثبيت والتطوير والصيانة الدورية.
2. أنظمة تعتمد على الكود
تتطلب خبرة برمجية في إنشاء صفحات الموقع والتعديل عليها، لكنها تتيح حرية أكبر للمطور باختيار الميزات التي يرغب بتضمينها وتسمح له بدمج ميزات مختلفة غير متوفرة افتراضيًا بالموقع.
قد يصنّف البعض أنظمة التجارة الإلكترونية المصممة لإنشاء وإدارة المتاجر الإلكترونية، بما في ذلك عرض المنتجات وإدارتها، ومعالجة الطلبات والمدفوعات، ضمن أنظمة إدارة المحتوى. لكن برأيي أنها لا تتشابه معها، ويمكن القول إنها قريبة من أنظمة إدارة المستودعات Warehouse management system المختصة بإدارة وتتبع المخزون داخل المستودعات، أكثر من كونها مشابهة لأنظمة إدارة المحتوى.
3 من أشهر أنظمة إدارة المحتوى
أنظمة إدارة المحتوى كثيرة، لكن من واقع تجاربي هذه هي الأنظمة الأكثر شهرة:
ووردبريس
ووردبريس هو نظام إدارة محتوى مفتوح المصدر يتيح للمستخدمين إضافة المحتوى وتعديله باستخدام المحرر المرئي سهل الاستخدام. كما يتيح تخصيص تصميم الموقع أو إضافة ميزات جديدة إليه باستخدام القوالب والإضافات.
يتيح ووردبريس كذلك إمكانات تخصيص واسعة من خلال أدوات التخصيص المتقدمة مثل الخطافات Hooks والفلاتر Filters، اللتان تسمحان بالتحكم الكامل في كيفية عرض البيانات وتفاعل المستخدم مع الموقع. إذ تسمح الخطافات بإضافة وظائف مخصصة أثناء تنفيذ عمليات محددة في الموقع، بينما توفر الفلاتر طريقة لتعديل البيانات قبل عرضها للمستخدم.
لكن هذا التخصيص المتقدِّم يتطلب الاستعانة بمطور ووردبريس خبير لديه خبرة تقنية متقدِّمة ومعرفة بلغات البرمجة مثل PHP وCSS، وفهمًا عميقًا للهيكل البرمجي الخاص بـ ووردبريس. لأنه إذا لم تُراعَ أفضل الممارسات البرمجية، يمكن أن يؤدي هذا النوع من التخصيص إلى مشكلات في أداء الموقع واستقراره، أو تعارض مع الإضافات الأخرى.
ففي واحدة من الحالات التي أتذكرها جيدًا، كان يحتاج الموقع إلى تصميم واجهة مخصصة تعرض المحتوى بناءً على شروط محددة، ما تطلب تعديل حلقات ووردبريس Loops (الطريقة التي يعرض بها ووردبريس المحتوى) باستخدام الخطافات مع إضافة بعض الوظائف المعقدة.
ورغم أن التعديلات حققت النتيجة المطلوبة، إلا أن أي تغيير بسيط في الكود كان يؤدي إلى تعطل بعض الميزات أو التأثير سلبًا على أداء الموقع وسرعته، مما جعل العملية تتطلب دقة واختبارات مستمرة لضمان استقرار الموقع.
دروبال
بحسب تجربتي، تعتمد بعض الشركات الكبيرة على نظام دروبال بسبب بدء استخدامه قبل سنوات، لكنّه ليس خيارًا جيدًا للشركات الصغيرة والناشئة اليوم بسبب وجود حلولٍ أفضل.
يتميز دروبال بقدرته على التأقلم مع خصوصيات العمل بالكامل، ويمكن ضبط هيكل المحتوى كما تحتاجه تمامًا، وهذا يجعله أكثر ملاءمةً للشركات التي تخطط لبناء مواقع كبيرة بأنماط وأقسام محتوى مختلفة شديدة التخصيص.
إضافةً إلى ذلك، بسبب أنظمة التخزين المؤقت Caching المفعلة افتراضيًا على دروبال، ستحصل على أداء أفضل للموقع وضغط أقل على الخادم حتى مع حجم قاعدة البيانات الكبير أو في المواقع ذات البنية المعقدة.
جوملا
غالبًا ما أجد أن نظام جوملا هو الخيار الأفضل لبناء المواقع متعددة اللغات، خصوصًا أن هذه الميزة ضمن الميزات الرئيسية للنظام ولا تحتاج لإضافات خاصة لتفعيلها. وهذه ليست الميزة الوحيدة، فهي أيضًا تقدم خيار التحقق الثنائي لتسجيل الدخول وحماية الموقع بشكلٍ افتراضي، وتقدم إمكانية تعديل إعدادات ضرورية للتهيئة لمحركات البحث.
لكن رغم تركيز جوملا على تقديم أغلب الميزات الضرورية ضمن النظام، ورغم أنها منصة مفتوحة المصدر، وتمتلك مجتمعًا نشطًا من المطورين، إلا أنها لا تزال تفقد المستخدمين مع الوقت بسبب احتدام المنافسة.
كيف يمكنك اختيار نظام إدارة المحتوى المناسب لعملك؟
لكل عمل ظروفه واحتياجاته الخاصة، لكن هذه مجموعة من الأسئلة التي ستساعدك حتمًا في معرفة أي نظام إدارة محتوى ملائم لك:
1. ما طبيعة موقعك؟
في حال كان موقعك هدفه التعريف بشركتك وما تقدِّمه من خدمات، وعرض طرق التواصل معك، فأنصحك باستخدام حل بسيط لإنشاء موقعك مثل سنديان، وهو منشئ مواقع عربي من شركة حسوب، يغطي كل احتياجاتك لبناء مواقع ويب احترافية دون الحاجة لوجود خبرة برمجية باستخدام أدوات السحب والإفلات.
أما إن كان الموقع ذا هيكل متوسط التعقيد كالمواقع التعليمية أو مواقع الحجز وإدارة الفعاليات، فقد يكون ووردبريس خيارًا مناسبًا، لكن مع الاعتماد على بعض الإضافات الخاصة. بينما إن كان موقعك يتطلب درجة عالية من الأمان، أو أداءً فائقًا، أو تفاعلاً معقدًا، فووردبريس ليس الخيار الأفضل، وستحتاج في غالبية هذه الحالات إلى اعتماد نظام إدارة محتوى آخر أو تقنيات مخصصة.
2. ما هي الميزانية المتاحة لموقعك؟
إذا كانت الميزانية محدودة في البداية، فقد تكون الأنظمة التي تقدم اشتراكًا شاملاً للاستضافة خيارًا مناسبًا للبدء. بالمقابل، تتطلب الأدوات مفتوحة المصدر التي تحتاج استضافة خارجية تكلفة أعلى، لكنها تقدم خيارات تخصيص أكثر.
على سبيل المثال، يمكنك إنشاء موقعك الإلكتروني على ووردبريس، والاستفادة بخيارات تخصيص متقدِّمة، لكنك ستحتاج في المقابل إلى استثمار مبدئي معتبر في الاستضافة والنطاق، وتوظيف مطور خبير لتسريع الموقع وصيانته دوريًا ومراقبة التحديثات.
في المقابل، يمكنك الاعتماد على سنديان لإنشاء موقع احترافي للتعريف بشركتك وعرض خدماتها دون الحاجة لاستثمار كبير، لأنه يوفر مسرع مواقع واستضافة مدمجة ونطاقًا مخصصًا مجانيًا ضمن باقة اشتراكك.
3. هل تمتلك فريق عمل خاص بالموقع؟
إن كنت تمتلك فريقًا تقنيًا متخصصًا في شركتك، فقد يكون الحل الأفضل ماديًا وتقنيًا هو الاعتماد على الأنظمة الموجّهة للمطورين. أما عكس ذلك، فيعتمد الأمر على مدى وجود تحديثات دورية في موقعك.
إن كان موقعك يحتاج إلى تحديثات دورية، فالخيار الأفضل هو الاعتماد على نظام مفتوح المصدر مثل ووردبريس مع توظيف مطور متخصص مسؤول عن الإشراف على الموقع. بينما لو كنت ستكتفي بتحديثات سنوية، فإن سنديان خيارًا مناسبًا، لأنه لا يتطلب أي خبرة برمجية، ويزيل عنك عبء التعامل مع الجوانب التقنية مثل حجز الاستضافة والنطاق، وتأمين الموقع وحمايته وغيرها.
4. ما هو مستوى تفاعل الزوار مع محتوى موقعك؟
كقاعدة عامة، كلّما أردت زيادة الميزات التفاعلية بين الموقع والزوار، احتجت إلى التوجه نحو الحلول المخصصة أو الموجّهة للمطورين.
على سبيل المثال، لو كان المطلوب في الموقع هو إتاحة التعليقات والإعجابات والتفاعلات مع المحتوى فقط، فهذا ممكن في ووردبريس وأغلب أنظمة إدارة المحتوى مفتوحة المصدر، وتلك المعتمدة على الاشتراك.
لكن لو أردت السماح للمستخدمين ببناء حساب شخصي، وإنشاء قوائم بالمقالات الموجودة في الموقع ومشاركتها وعرضها ضمن حساباتهم وتخصيص هذه الحسابات وغيرها، فربما يكون الحل الأفضل هو بناء نظام المحتوى من الصفر، بحسب مقدار التفاصيل المرغوبة في هذا السياق.
5. هل تحتاج لإضافة ميزات للموقع مستقبلًا؟
دعنا نتفق أنه لا يمكن ضمان تغطية النظام المستخدم من البداية لكل توسعات الموقع المستقبلية. ولا بأس بتغيير النظام كاملًا بعد سنوات إن لم يعد يغطي احتياجاتك بالكامل. لكن في حال امتلاك خطط واضحة ونية ثابتة لما سيتضمنه الموقع، يستحسن اختيار الأدوات المناسبة لهذا التوسع.
على سبيل المثال، تدعم بعض المنصات مثل ووردبريس إمكانية التوسع لتضمين ميزات التجارة الإلكترونية باستخدام إضافة ووكومرس WooCommerce مثلًا، وهذا قد يكون سببًا لاختيارها من البداية حتى ولو لم يكن هذا ضمن المتطلبات الأولية الحالية في الموقع، لكنه خيار وارد مستقبلًا.
في الختام، إجابتك على هذه الأسئلة يمكن أن تساعدك في العثور على نظام إدارة المحتوى المناسب، ويمكن أن ترشدك إلى الطريق الصحيح لبناء موقعك المستقبلي. لذا أنصحك أن تتأنى في مرحلة الاختيار، وتراعي جميع الأسئلة والاحتياجات للوصول إلى الخيار المناسب.
تم النشر في: ديسمبر 2024
تحت تصنيف: البرمجة والتطوير | أنظمة إدارة المحتوى