في سنة 2016 واجهت شركة سامسونج أحد أخطر التحديات في تاريخها، يرجع ذلك إلى حوادث احتراق وانفجار بطارية هاتف (جلاكسي نوت 7)، ما سبب خسائر مالية كبيرة إلى جانب تضرر العلامة التجارية للشركة. بالرغم من ذلك، نجحت سامسونج بفضل عملية إدارة المخاطر في تجاوز هذه الانتكاسة، فقد سحبت كل هواتف (نوت7) وعرضت إمكانية استبدالها، كما سرّعت من إنتاج إصدارات متنوعة لهواتفها لتظهر قدرتها على مواصلة الإبداع، كما أطلقت هاتف (جلاكسي إس 7) لتخطي عيوب النسخة السابقة.
بفضل هذه الإجراءات التي تضمنتها خُطَّة إدارة المخاطر، تمكنت سامسونج من استعادة مكانتها الريادية عبر العالم. من هنا تبرز أهمية إدارة المخاطر Risk Management باعتبارها ضرورة ملحة من أجل توقع كل ما من شأنه التأثير على نجاح واستثمار الأعمال. في المقال التالي نستعرض سويًا هذه الإستراتيجية الفعالة التي يجب على رواد الأعمال الحرص على توظيفها.
جدول المحتويات:
- مفهوم عملية إدارة المخاطر
- أهمية عملية إدارة المخاطر
- إجراءات عملية إدارة المخاطر
- أمثلة لحالات إدارة المخاطر
مفهوم عملية إدارة المخاطر
يمكن تعريف إدارة المخاطر، على أنها كل العمليات المرتبطة بتدبير التعامل مع المخاطر التي قد تواجهها المؤسسات ورواد الأعمال. هذا التدبير من شأنه أن يقلل من الخسائر ويزيد من فرص النجاح. وحين نتحدث عن المخاطر فالمقصود بها كل ما من شأنه أن يهدد أو يمثل خطرًا على صيرورة العمل، سواء كان ذلك على الصعيد الحالي أو المستقبلي.
كما هو الحال في مختلف مناحي الحياة، فإن حدوث الأخطاء والانتكاسات في مجال المال والأعمال أمر وارد في أي لحظة. هذه التهديدات قد تكون آنية غير متوقعة أو يمكن استشرافها، وقد تحدث أخطاء بشرية أو وقوع أحداث شديدة التأثير تعصف بكل المخططات كجائحة كورونا على سبيل المثال.
إن وقوع هذه المخاطر يفرض التعامل معها بشكلٍ صحيح من أجل الحد من حجم تأثيرها، إما بتدخلات وحلول آنية مستعجلة، أو بوضع خطط وبرامج مستقبلية تروم مواجهة كل الطوارئ المهددة لمسار الأعمال. من هنا يصبح تدبير المخاطر عملية محورية تفرض إتقان القيام بها، لما لها من أدوار كبيرة في مواجهة الأزمات والتغلب عليها.
تختلف المخاطر ودرجة تأثيرها حسب حجم الأعمال، فهناك مخاطر مالية كعدم توفر السيولة والتمويل، ومخاطر الكوارث الطبيعية، ومخاطر سوء التدبير والتسيير، والمنافسة وعدم استقرار الأسعار، الهجمات الإلكترونية… إلخ.
يؤدي سوء إدارة المخاطر إلى حدوث أضرار مالية كبيرة للشركات والأفراد، كما قد تكون سببًا رئيسيًا في إفلاس وانهيار المؤسسات والشركات، وفي أقل الأضرار يمكن حدوث تراجع كبير في حجم نمو الأعمال، ما يعني إمكانية حدوث أزمات أكبر في ظل غياب عملية إدارة المخاطر.
بالنظر إلى أهمية إدارة المخاطر، فإن التنظيم الإداري للشركات والمؤسسات يضم فرقًا ومكاتب تتولى هذه المهمة، وذلك تحت إشراف مدير المخاطر، هذا الأخير أصبح يحتل أحد أهم مناصب المسؤولية في مجال الأعمال.
أهمية عملية إدارة المخاطر
عمومًا، تساهم عملية إدارة المخاطر في مواجهة مختلف التحديات والسيطرة عليها قبل تفاقمها، ويمكن تلخيص أدوار هذه العملية في الآتي:
- حماية مستقبل الشركات ورواد الأعمال من مختلف التهديدات التي قد تمثل تحديًا أمام استمرار الأعمال.
- زيادة الثقة في المؤسسات وقدرتها على مواجهة المخاطر، ما يعزز مكانتها التنافسية ويخلق الارتياح لدى الشركاء، وهو ما يحفزهم على توسيع نطاق الشراكة بفضل بيئة العمل الآمنة.
- تحديد الاحتياجات التأمينية الضرورية التي يمكن اللجوء إليها في حالة وقوع أي أحداث شديدة التأثير وغير منتظرة.
- اتخاذ الشركات القرارات المناسبة بشكل استباقي يجنبها التخبط والعشوائية في حالة ظهور أي من المخاطر المحتملة الوقوع، وهو ما يجعل التعامل معها أسهل وأكثر نجاحًا.
- تحديد الأهداف المستقبلية بكل موضوعية، إذ إن التفكير في المخاطر المحتملة يسمح بتحديد الأهداف الدقيقة التي يمكن بلوغها حتى مع وجود المخاطر.
إجراءات عملية إدارة المخاطر
تتشكل عملية إدارة المخاطر من خطوات منهجية تهدف إلى تدبير التعامل مع مختلف التحديات، وتتجلى أساسًا في:
أولًا: تحديد المخاطر
تحاول الشركات وأقسام إدارة المخاطر، معرفة متى وأين وكيف يمكن للمخاطر التأثير على مستقبل العمل، ينبغي تحديد ومعرفة مختلف مصادر المخاطر المحتملة وترتيبها حسب الأولوية ودرجة الخطورة. ينطلق تحديد المخاطر بواسطة دراسة مختلف جوانب بيئة العمل، بما في ذلك الظروف الاقتصادية والاجتماعية والقانونية التي تدار فيها الأعمال.
من الجيد هنا إشراك الجميع في هذه العملية، فيمكن لكل أفراد فريق العمل تقديم المقترحات المتعلقة بالمخاطر التي قد تواجه العمل، بفضل هذا يمكن توسيع دائرة الاحتمالات، كما يسمح هذا العمل الجماعي بتحسين علاقات التواصل داخل المؤسسة. وبمجرد تحديد المخاطر، ينبغي إحداث قاعدة بيانات على شكل سجلات تضمن الاحتفاظ بها والرجوع إليها وقت الحاجة، يمكن أن تكون هذه السجلات على شكل جدول يضم نوعية المخاطر، مصدرها ونسبة احتمالية وقوعها.
ثانيًا: تحليل المخاطر
بعد تحديد أهم المخاطر التي تهدد بيئة العمل، تأتي خطوة تحليلها. وخلال هذه المرحلة يُتعامل مع كل خطورة بشكل فردي وأكثر شمولية، وذلك بواسطة تحديد العوامل التي يمكن أن تؤدي إلى حدوثها واحتمالية الوقوع ودرجة التأثير ونطاقه، فبعض المخاطر قد تؤدي إلى توقف العمل بصفة نهائية بينما البعض الأخر يحمل تأثيرات محدودة.
ثالثًا: تقييم المخاطر وتحديد الأولويات
بعد التعرف على أهم المخاطر المحتملة وتحليلها، يتم الانتقال إلى عملية التقييم التي تستهدف بالدرجة الأولى تحديد مستوى خطورة كل خطأ. وعليه يمكن تصنيف المخاطر بناءً على تقييمها بدءًا من مرتفعة إلى منخفضة التأثير.
بعد ذلك ننتقل إلى تحديد أولويات التعامل مع المخاطر، بطبيعة الحال سيكون التركيز على ما يحمل تهديدات قصوى للعمل. تساعد هذه الخطوة في الحصول على رؤية شاملة للمشروع والتعرف على مكامن التهديد الذي تتطلب حلولًا لمعالجتها حال وقوعها.
رابعًا: معالجة المخاطر
بعد أن أصبحت الرؤية واضحة بخصوص المخاطر المحتملة، تأتي مرحلة المعالجة التي تقوم على إعداد خُطَّة إدارة المخاطر، مع وضع الحلول وأشكال التدخلات التي تتناسب مع كل خطر. بموازاة ذلك، تدوين كل القرارات المتخذة من جهة قسم إدارة المخاطر ورفعها إلى الإدارة من أجل الموافقة عليها.
تختلف الحلول باختلاف نوعية المخاطر وأسبابها، من هنا يمكن إشراك فريق العمل في اقتراح الحلول الممكنة. وبناءً عليه، فإدارة المخاطر تصبح أكثر نجاحًا عند استغلال كل موارد الفريق، ومع مرور الوقت تصبح قاعدة البيانات أكثر تنوعًا وقوة، خاصةً في حالة الحرص على إعداد سجلات المخاطر السابقة.
خامسًا: مراقبة المخاطر
في جميع الأحوال لا يمكن تحديد كل المخاطر من أجل وضع خُطَّة للتعامل معها، من هذا المنطلق فعملية مراجعة ومراقبة المخاطر لا يمكن أن تنقطع. فعلى سبيل المثال، يخلق غياب استقرار أسعار النفط مخاطر دائمة للشركات، وهو ما يفرض مراقبة هذه الأسعار ومدى تطورها.
لن تكون الخطط الموضوعة أو القرارات المتخذة مثالية بشكل مطلق، هذا يعني أن خُطَّة إدارة المخاطر ينبغي أن تتسم بالمرونة. فالتغيرات التي يعرفها قطاع الأعمال جِدّ كثيرة ولا يمكن حصرها. وبذلك، يصبح لزامًا على التنظيم الإداري للمؤسسات والشركات التحلي بدرجة كبيرة من اليقظة والقدرة على اتخاذ قرارات عاجلة في حالة الطوارئ.
بعض نماذج حالات إدارة المخاطر
تشمل عملية إدارة المخاطر مختلف مناحي مجال الأعمال، لا يقتصر تدبير المخاطر على العمل الداخلي للشركات بل يشمل كل ما يدخل في بيئة العمل. نستعرض سويًا بعض الحالات:
- في مجال الصناعة
عند رغبة الشركات في إضافة منتج جديد إلى سلسلة منتجاتها، تشرع أولًا في دراسة مخاطر هذه الخطوة. يمكن أن تشمل الدراسة حجم المنافسة، القدرة الشرائية، درجة تقبل العملاء للمنتج الجديد.
- في أثناء إبرام العقود
عندما تلجأ الشركات إلى إبرام عقود دولية، من أجل تجنب المخاطر المتعلقة بالعملات المحلية، قد يكون التوجه السليم هو إبرام هذه العقود على أساس الدولار الأمريكي باعتباره أقوى العملات استقرارًا.
- مخاطر السلامة
احترام معايير السلامة عنصرًا أساسيًا لاستمرار الأعمال بشكلٍ متسلسل. تحرص الشركات على مراقبة أنظمة السلامة بشكل مستمر بقصد تحييد كل المخاطر التي من شأنها التسبب في توقف العمل أو تهديد سلامة أطقم العمل.
- مخاطر السوق
تواجه كل الشركات مخاطر عدّة مرتبطة بالسوق، فالأسعار والمنافسة وغيرها؛ من أبرز التحديات التي تواجه نجاح الأعمال. من هنا تحاول كل المؤسسات إدارة المخاطر حسب طبيعة أعمالها.
- المخاطر الطبيعية
قد تؤثر الظروف الطبيعية القاسية على سير الأعمال وتطورها، هذا الأمر يدفع الشركات إلى دراسة حجم تأثير الظروف الطبيعة وكيفية التعامل معها خصوصًا في المناطق التي تشهد تحولات مناخية دورية.
ختامًا
تساعد إدارة المخاطر الشركات ورواد الأعمال على المعرفة الاستباقية لحجم المخاطر المحتملة، لوضع أفضل الاستراتيجيات للتعامل معها. وحين نتحدث عن إدارة المخاطر أو تدبيرها فإننا نعني السياسة التي تنتهجها كل الشركات على اختلاف حجم نشاطها، غير أن الكبيرة منها تدير العملية باحترافية أكبر نظرًا لكون المخاطر المهددة لها أكثر تأثيرًا.
تم النشر في: نوفمبر 2021
تحت تصنيف: ريادة أعمال | نصائح ريادية
أصبح من الضروري وجود قسم خاص بإدارة المخاطر والتبنؤ بها، وخاصة في الشركات الكبرى.
أعتبر شركة Samsung قدوة في هذا المجال وخاصة كما تحدث الكاتب في مشكلة Galaxy Note7 فالشركة اعترفت بالمشكلة أولا، وسارعت بالتعويض للزبائن ثانيا، وكما حرصت على تقديم شرح كامل لأسباب المشكلة ثالثا، و إصدار Galaxy Note8 بشكل مميز رابعا، الأمر الذي ساهم نوعا ما بجعل مشكلة Galaxy Note7 من الماضي.