منذ بضعة أشهر، تواصل معي صاحب متجر إلكتروني متخصص في بيع الأحذية الرياضية، كنت قد قدمت له استشارة تسويقية سابقة عند إطلاق متجره. أخبرني أنه يواجه تحديًا غير متوقع؛ فرغم استثماراته الكبيرة في التسويق، يلاحظ أن عددًا كبيرًا من العملاء يملؤون سلاتهم بالمنتجات لكنهم يتوقفون فجأة قبل الدفع ويغادرون الموقع دون إتمام الشراء.

مع تكرار الأمر، أصبح ذلك يشكل مصدر قلق كبير له، خاصةً أنه يثق تمامًا بجودة منتجاته وتنوعها وسعرها التنافسي. طمأنته وأخبرته أن هذه مشكلة متكررة تواجهها متاجر إلكترونية كثيرة، تُعرف بظاهرة “السلات المتروكة” Abandoned Carts، وانطلقت في دراسة المتجر وتحليله بطريقة شاملة للوصول للأسباب الكامنة وراء هذه الظاهرة في متجره.

وكما توقعت، اكتشفت أن السبب الرئيس لهذه الظاهرة هو تعقيد عملية الشراء. قدّمت له التوصيات اللازمة لتطبيقها، وسرعان ما انعكس الأمر على مبيعات متجره. لكن هل هذا هو السبب الوحيد الذي قد يؤدي إلى هذه الظاهرة؟ بالتأكيد لا، دعني أوضح لك بتفصيل أكثر.

لماذا تظهر السلات المتروكة بمتجرك، وكيف تخفضها للحد الأدنى؟

أعلم أنك هنا الآن لأنك تعاني من خسارة عملائك بعد أن بذلت جهدًا كبيرًا في إعداد متجرك والتسويق لمنتجاتك. لكن دعني أخبرك بأنه ما من حلول سريعة هنا، فقبل الوصول للحل يجب أن تحدد المشكلة التي تدفع العملاء إلى ترك سلاتهم حسب كل مرحلة من مراحل عملية الشراء، وأبرز هذه المشكلات هي:

1. مشكلات تجربة المستخدم

تخيل أنك تتصفح متجرًا ما لشراء أحد المنتجات، لكن شعرت بأنك تائه وتجد صعوبة في التنقل بين الصفحات للوصول للمنتج الذي تريده، أو تضطر للانتظار لثوانٍ أطول حتى تظهر صور المنتج، أو أن المتجر بالكامل يظهر على هاتفك بطريقة سيئة مغايرة على عكس متصفح حاسوبك.

هذه بالضبط بعض السيناريوهات التي قد تنفر العملاء من متجرك وتمنحهم انطباعًا بعدم الاحترافية، ما يدفعهم في النهاية إلى المغادرة قبل إتمام عملية الشراء حتى لو أضافوا منتجاتهم المفضلة إلى السلة. المشكلة هنا تقنية بحتة، ويمكنك معالجتها عبر هذه الحلول:

تحسين هيكلية متجرك

ركز على تصميم المتجر بحيث يعمل بكفاءة على جميع الأجهزة أولًا، ثم نظّمه بطريقة منطقية باستخدام قوائم منسدلة وأدلة تنقل واضحة، لتمكين العملاء من الوصول إلى ما يبحثون عنه بسرعة. إذ يعد عدد النقرات المقبول وسطيًا للوصول إلى المنتج يتراوح بين 3 لـ4 نقرات. أما بالنسبة للتنقل بين سلة التسوق وصفحة المنتج أو العكس، فيجب ألا يتجاوز نقرة واحدة.

تسريع وقت تحميل الصفحات

ينبغي ألا تتجاوز مدة تحميل الصفحة 4 ثوان، فكل ثانية إضافية تؤدي إلى انخفاض معدل التحويل. لذلك تجنب استخدام الصور ذات الحجم الكبير، واستعن بأدوات مثل Google PageSpeed Insights لمعرفة ما يؤثر في سرعة متجرك وحاول معالجته لتقليل وقت التحميل.

2. عملية الشراء المعقدة

عندما يقرر العميل القيام بعملية شراء عبر الإنترنت، فهو يتوقع إنجازها بأسرع وقت ممكن وأقل عدد من الخطوات، لذا ينبغي لك أن تتأكد من:

تقليل عدد النقرات

كلما قلت النقرات التي يحتاجها العميل لإتمام عملية الشراء والدفع، زادت فرصة إكماله للشراء. باختصار، يجب أن يكون تسلسل عملية الدفع النموذجية كما يلي: سلة التسوق > معلومات الشحن > طريقة الدفع> معاينة الطلب > التأكيد.

تسلسل عملية الدفع النموذجية

تبسيط نماذج المعلومات

استخدم نماذج قصيرة لتسهّل على العملاء إدخال بياناتهم بسرعة، ولا تطلب أي معلومات إضافية من العميل، بل اقتصر على الأساسيات مثل: اسم العميل، تفاصيل الشحن والدفع؛ حتى يشعر العميل بأنه على بعد خطوة واحدة فقط من إتمام عملية الشراء.

تقديم دعم فوري للعملاء

يساعدك تقديم الدعم الفوري للعملاء عبر خدمة الدردشة المباشرة على خفض معدل السلات المتروكة وزيادة المبيعات من خلال الإجابة على استفسارات العملاء ما قبل الشراء، أو حل المشكلات التي تواجههم في أثناء عملية الشراء.

توضيح سياسات الشحن والإرجاع

قدّم معلومات واضحة وشفافة حول سياسات الشحن والإرجاع بطريقة مفهومة وسهل الوصول إليها. تعد الفترة المتعارف عليها للإرجاع ضمن المتاجر الإلكترونية تتراوح بين 14 حتى 30 يومًا. وفي حال كان الإرجاع بسبب خطأ من متجرك، فيفضّل إرجاع المبلغ كاملًا كي لا تضر بسمعة متجرك.

توضيح سياسات الشحن والإرجاع بالمتاجر الإلكترونية

3. التكاليف غير المتوقعة

في بعض الأحيان، يصل العميل إلى صفحة الدفع ويكتشف وجود رسوم أو تكاليف إضافية غير متوقعة لم يتم إيضاحها مسبقًا، فيشعر بالإحباط ويتخلى عن عملية الشراء بأكملها. لذا اجعل كل شيء واضحًا بالنسبة للعميل قبل أن يصل إلى صفحة الدفع، من خلال:

توضيح تكاليف الشحن قبل الوصول لصفحة الدفع

تأكد من أن صفحة سلة التسوق تتضمن ملخصًًا واضحًًا لجميع التكاليف؛ بما في ذلك المنتجات والشحن والضرائب وأي رسوم إضافية، بحيث يتمكن العميل من رؤية التكلفة الإجمالية والتفصيلية قبل الانتقال إلى صفحة الدفع.

تفاصيل الشحن بصفحة سلة التسوق

تقديم خيارات شحن متعددة

وفر خيارات شحن متعددة مع تكاليف وأوقات تسليم مختلفة، لمنح العملاء القدرة على اختيار ما يناسب احتياجاتهم وميزانياتهم. غالبًا ما تكون خيارات الشحن الأسرع هي الأغلى وتعتمد على تكاليف شركة الشحن، ومدى توافر المنتجات في مستودعات قريبة من مكان التسليم.

4. خيارات الدفع المحدودة

تخيل أنك قررت شراء منتج ما، لكن بعد إضافة تفاصيل الشحن والانتقال إلى خطوة الدفع، لم تجد خيار دفع مناسب، ماذا ستفعل؟ غالبًا ستبحث عن المنتج نفسه في متجر آخر، هذا ما سيفعله عملاؤك أيضًا إذا لم يجدوا خيارات دفع مناسبة لهم. لذا اهتم جيدًا بتوفير خيارات دفع متعددة لتلبية احتياجات الفئات المختلفة من عملائك مثل:

  • بطاقات الائتمان والخصم: يجب أن يدعم الموقع جميع بطاقات الائتمان والخصم الشائعة لدى جمهورك المستهدف مثل: فيزا وماستر كارد، لضمان أن جميع العملاء يمكنهم الدفع بالطريقة التي يفضلونها.
  • خيارات الدفع الإلكتروني: تضمين خيارات الدفع الإلكتروني مثل: PayPal ،Apple Pay ،Google Pay يضيف مرونة للعملاء الذين يفضلون هذه الطرق السريعة للدفع.
  • خيارات الدفع المحلية: يجب إضافة خيارات الدفع المحلية التي تحظى بشعبية في الأسواق التي يستهدفها متجرك مثل مدى أو STC Pay في السعودية.
  • الدفع عند الاستلام: يزيد تقديم الدفع عند الاستلام من ثقة العملاء ويشجعهم على إتمام عملية الشراء، خاصةً حين يفضل العملاء رؤية المنتج قبل الدفع.

5. عدم الثقة بمتجرك

يفضل العملاء الشراء من المتاجر التي يشعرون فيها بالأمان والثقة، فلا تنسَ أنهم سيشاركون معك بياناتهم الشخصية والمالية. لذا قد تكون لديهم مخاوف حول أمان المعلومات التي يتم إدخالها على الموقع ويمتنعون أحيانًا عن إكمال عملية الشراء، لأنهم لا يرغبون بمشاركة معلوماتهم دون أن تضمن لهم أمانها، وهنا سيأتي دورك من خلال:

عرض شهادات الأمان وآراء العملاء

تأكد من أن استخدامك شهادة SSL لحماية بيانات العملاء وتأمين اتصالهم بالإنترنت إذ تظهر لهم بشكل واضح في رابط المتجر https بدلًًا من http. أضف أيضًا رقم الترخيص أو الرقم الضريبي أو بيانات الترخيص المعتمدة في بلدك.

بالإضافة لذلك، شارك مع عملائك جميع الشهادات الخاصة بحماية البيانات أو الخصوصية في مكان واضح على الموقع. وأضف قسمًا خاصًا تعرض فيه آراء العملاء وتقييماتهم وشهاداتهم بشأن تجربتهم في التسوق من متجرك، ما يؤكد للعملاء الجدد مصداقية متجرك.

توضيح سياسات الخصوصية

اشرح سياسة الخصوصية في متجرك بوضوح، وبيّن كيفية تعامل المتجر مع البيانات الشخصية وطرق حمايتها. وبالطبع، يجب أن تظهر صفحة سياسة الخصوصية في مكان متاح للجميع ويمكن الوصول إليه وفهمه بسهولة.

أسباب ظهور السلات المتروكة بالمتاجر الإلكترونية

3 إستراتيجيات إضافية لخفض معدل السلات المتروكة

ماذا لو كان سبب السلات المتروكة لا يندرج تحت أي من المشكلات السابقة؟ في الحقيقة قد يكون هناك أسباب إضافية تعود إلى العملاء أو تفضيلاتهم أثناء التسوق أو غيرها، وهذه تتطلب تبني إستراتيجيات مختلفة.

هنا يأتي دور خدمات خبراء التجارة الإلكترونية، لأنها تساعدك على التحليل المعمق لأداء متجرك، والخروج بأكثر الحلول والاستراتيجيات فعالية، لتحسين أدائه وخفض نسبة السلات المتروكة وزيادة معدلات المبيعات. ومن أبرز الاستراتيجيات الإضافية التي يمكنك استخدامها:

التخفيضات والعروض الخاصة

يمكنك تقديم خصومات أو عروض ترويجية خاصة للعملاء الذين يتركون سلاتهم دون إتمام عملية الشراء، مثلًا توفير كود حسم يحصل العميل به على خصم إضافي بنسبة 10% عند عودته وإتمام عملية الشراء خلال فترة زمنية محددة.

جرّب أيضًا توفير شحن مجاني إذا بلغت قيمة مشتريات العميل حدًا معينًا، مثلًا يحصل العميل على شحن مجاني حين تتجاوز قيمة مشترياته 250 ريال، ما يشجعهم على إضافة المزيد من المنتجات إلى سلاتهم للاستفادة من الشحن المجاني.

رسائل السلات المتروكة

في بعض الأحيان، يترك العملاء سلاتهم بسبب التشتت أو نسيان إتمام عملية الشراء، هنا يمكن أن تكون رسائل البريد الإلكتروني التذكيرية وسيلة فعالة لإعادة جذب هؤلاء العملاء وتحفيزهم للعودة للمتجر من خلال:

  • جدول رسائل تذكيرية تلقائية: جهز رسائل السلات المتروكة التلقائية وجدولها بعد فترة محددة من ترك العملاء للسلة، إذ تتضمن هذه الرسائل تذكيرًا بالمنتجات التي تُرِكت في السلة مع دعوة لإتمام عملية الشراء.
  • خصص رسائلك: توجه في رسائلك إلى العميل مباشرةً مستخدمًا اسمه وتفاصيل المنتجات التي تركها في السلة مع رابط للوصول للسلة أو المنتج مباشرةً، ما يزيد من فعالية الرسائل ويعزز معدل استجابة العملاء.
  • أضف صورًا للمنتجات المتروكة: ضمّن صور واضحة للمنتجات التي تركها العميل في السلة لتذكيره بها وتحفيزه على شرائها. كما يمكنك إضافة عدد مرات بيع المنتج أو آراء العملاء فيه لتعزيز ثقة العميل بالمنتج.

إعادة استهداف العملاء حسب سلوكهم

يتمتع العملاء بأنماط سلوك مختلفة، لذلك الاعتماد على استراتيجية واحدة لن يكون فعّالًا بما يكفي لتحفيز جميع العملاء على إتمام عمليات الشراء. لذا يعد تقسيم العملاء بناءً على سلوكهم خطوة أساسية لإعادة استهدافهم بفعالية. ويمكنك تحقيق ذلك من خلال:

  • تحليل سلوك العملاء: استخدم تحليلات جوجل لفهم سلوك العملاء مثل: المنتجات التي يهتمون بها، ومعدل تكرار الزيارات للمتجر، والمدة التي يقضونها فيه. إذ تستطيع بذلك البدء بتقسيم العملاء إلى شرائح بناءً على اهتماماتهم وسلوكهم.
  • إنشاء شرائح محددة: اختر الطريقة الملائمة لاختيار الشرائح مثل العملاء المتكررين، والعملاء الجدد، والعملاء الذين يتخلون عن السلات باستمرار. ويمكن أيضًًا استخدام معايير أخرى مثل: الفئة العمرية، والموقع الجغرافي، ونوع المنتجات المهتمين بها.
  • تقديم توصيات مخصصة: أعد استهداف كل شريحة من العملاء برسائل وعروض مخصصة تلبي احتياجاتهم تمامًا، وحاول دائمًا تقديم توصيات مخصصة بناءً على المنتجات التي شاهدوها أو أضافوها إلى السلة.
استراتيجيات خفض معدل السلات المتروكة

في الختام، لا تدع السلات المتروكة تقف عقبة أمام نجاح أعمالك، بل ابدأ فورًا بفهم سلوك عملائك وحدد النقاط التي تحتاج إلى تحسين. فمن خلال تنفيذ الاستراتيجيات الصحيحة، ستتمكن من تحقيق زيادة ملموسة في الإيرادات وضمان استمرارية نجاح متجرك الإلكتروني.

تم النشر في: بدء التجارة الإلكترونية منذ شهرين