من ينتصر؟ .. الموهبة أم العمل الجاد

لماذا دائمًا نَصف الشخص الذي يجيد عمله دائمًا بأنه موهوب أو ذكي أو مبدع؟ ربما لأننا لا نرى إلا النتائج ولم نشهد معه السنوات الطوال التي قضاها يتعلم ويتدرب ويكافح حتى يصل لهذا المستوى من الاحترافية بالعمل الجاد والاهتمام بأدق التفاصيل، كثير من الناس يعتمد على مبدأ أنه ليس موهوبًا بما فيه الكفاية ليتخصص بمهنة يحبها، وآخرون يرون أنهم بالتدريب المستمر والإصرار يمكنهم فعل أي شيء.

عن الموهبة

الموهبة هي مهارة أو ميزة يتميز بها صاحبها تدعو إلى الدهشة والانبهار بما يفعله، قد تتسم أحيانًا بالإبداع والابتكار، وفي أحيان أخرى تتسم بمعرفة التفاصيل والإلمام بعدة جوانب بخصوص أمر ما، فمثال على الشطر الأول المصمم الرائع الذي تخرج تصميماته معبرة بشكل يدعو للحيرة “كيف فعلها؟” لتأتي الإجابة المختصرة “لا بد أنه موهوب”.

مثال على الشطر الثاني شخص لديه القدرة على التعامل وكسب حب الناس من أول لقاء و مصافحة يد، تقابله أول مرة فينشرح صدرك له وتشعر أنه أصبح صديقك، تخبر معارفه بالأمر فيخبرونك أن هذه موهبته التي لا ينافسه فيها أحد، لكن لم يتساءل أحد عن كيفية فعلها أو ملاحظة السمات التي تصنع منه هذا الشخص الاجتماعي، الذي له قبول عند كثير من الناس.

توجد نظرية أن هؤلاء الأشخاص وجُدوا لنتعلم منهم كيف يفعلون هذا الأمر، ندرس صفاتهم، ونطبق ما نعرفه لكي نصل ولو لدرجة قريبة من هذه المواهب، أينشتاين على سبيل المثال ذلك العالم العبقري التي تم دراسة دماغه وتفاصيل حياته أكثر من مرة، كان من أهداف هذه الدراسات هي معرفة مفاتيح الوصول لتلك العبقرية وإمكانية تطبيقها على أي شخص وبالتالي تغيير حياته. إلا أن أينشتاين نفسه قال ذات مرة “ليس الأمر أنني ذكي ولكنني أقضي وقتًا أطول مع المشكلة”.

متى تفشل الموهبة؟

سواء اتفقنا على وجود ما يسمى بالموهبة أم لا فلا شك أن الموهبة وحدها لا تكفي، فهل كنت تهتم ببعض الهوايات بصغرك ومع الوقت والانشغالات تناسيتها ولم تطوّرها كالرسم أو كتابة الخط العربي؟ ومن منا من لم تحدث معه، ربما خطك الآن أسوء من شخبطة الأطفال بعدما كنت تكتب بالخط الكوفي والثلُث، إن الموهبة تحتاج لتطويرها والممارسة المستمرة وإلا لن تدوم. يمكنك اعتبار أن الموهبة تكفي على المدى القريب ولكنك ما لم تحافظ عليها أو تطوّرها بالتدريب فلا شك أنك ربما تخسرها للأبد.

العمل الجاد .. هو القاعدة

بعالم مليء بالمنافسة في كل شيء يحتاج الناس لعامل مشترك يستطيع الجميع القيام به، فالموهبة كما يعتقد البعض لا يمتلكها كل الناس ولكنها مخصصة للقلة المميزة كما يطلقون عليهم، لذا فالعمل الجاد مع الإصرار هو ما يستطيع فعله كل شخص حسب إمكانياته، إذا كنت لا تستطيع كتابة مقالة أو تعتقد بأن كتابتك سيئة فما العمل؟ سوى الممارسة وبذل ما بوسعك حتى تصل لكاتب محترف، ربما تختار الحل الأسهل وهو التخلي عن الأمر، وكلما قابلتك مشكلة بالعمل أو بالحياة وكان الحل الوحيد الذي أمامك هو بذل ما في وسعك، اخترت ألا تفعل شيئًا، وعندما ترى شخصًا ناجحًا تبرر اختيارك بأنه “موهوب” ولا تعترف بأنه ربما كان أكثر شجاعة منك ليختار العمل الجاد ليصل لذاك المستوى من الاحترافية.

كلما حددت هدفًا فالأفضل دائمًا أن تركز جهدك بكل خطوة صغيرة أم كبيرة حتى تصل إليه بخطى ثابتة، فهذا ما يسمى بالعمل الجاد بالنهاية، التركيز على ما تفعل وإخراجه بأحسن صورة على قدر استطاعتك، العمل الجاد هو سُلَّم أي شخص للوصول لأهدافه وتحقيق طموحاته بهذه الدنيا، ولا جدال في ذلك لكن العمل الجاد قد يفشل أيضًا، وقد لا يصبح كافيًا خاصةً عند المنافسة بمجال الأعمال.

اعمل بجد .. أعمل بذكاء

تخيل أنك شخص أنشأ شركة ناشئة جديدة، هذه الشركة تحتاج لتصميم الهوية البصرية، تحتاج تطبيق للهواتف الذكية، تحتاج مسوّقا لينشر فكرتها الرائعة، تحتاج لكثير من المهارات التي لا تستطيع مهما فعلت من عمل جاد أن تقوم بها بنفسك، هنا ربما يصيبك ما يسمى بإرهاق العمل (Burn out) لأنك حمّلت نفسك فوق طاقتها، فالعمل الجاد وحده لا يكفي أبدًا وإلا قد يضر بقدر الإفادة التي تحصلها. خيار توظيف المستقلين هنا قد يكون الخيار الأمثل لشخص مثلك لا يملك ميزانية كبيرة لتوظيف أشخاص بدوام كامل ولا يستطيع فعل كل شيء بنفسه.

مثال آخر على استخدام الذكاء كداعم أساسي للعمل الجاد في سوق العمل ما يسمى في الآونة الأخيرة Growth hacking وهي مهارة مطلوبة الآن أكثر من أي وقت مضى، فصحيح أن شركتك تعمل بجد وتحقق أرباحًا رائعة لكن مع كمّ المنافسة الشديدة الحالية تحتاج لتقوم ببعض الأمور بطريقة أفضل تزيد من كفاءة الفعل وتساعدك على تخطي منافسيك.

على مستوى حياتك الشخصية ستعرف أنه كل شيء يمكن عمله بطريقة أفضل، وهذا سيجعلك تركز على الإبداعية فيما تفعل، فكل شيء لا يعجبك أو تجده متعبًا حاول البحث قليلاً واختيار أنسب طريقة للقيام به، لكن لا تدع رغبتك في القيام بكل شيء بطريقة أفضل تنسيك أن التركيز على الفعل وحده هو ما يجلب النتائج، ببساطة حدد هدفك، اعمل وتعلم من التجربة، اكتشف أفضل طريقة، ثم عد للعمل بطريقة أحسن، وبذلك تكتمل حلقة العمل الجاد لتحقق ما تريد.

بنهاية المقال لا يوجد منتصر معين ولكن يوجد مفاهيم معينة أريد أن تصل إليك، إذا كنت موهوب بشيء ما فيوجد دائمًا من أفضل منك وبتكاسلك سيزيد هذا العدد، إذا كنت تريد الوصول للاحترافية بمهارة معينة فلا يوجد طرق مختصرة، فقط العمل الجاد هو بابك الوحيد، لكن يمكنك دائمًا إيجاد طريقه أفضل لفتحه.

ربما تخالفنا الرأي، من المنتصر هنا.. الموهبة أم العمل الجاد؟

تم النشر في: أبريل 2015
تحت تصنيف: العمل الحر | نصائح للمستقلين