كيف تكتسب مهارة القراءة؟

تعد القراءة بالنسبة لقسم كبير من البشر أكثر وسيلة مطروقة لقتل الوقت، والاستمتاع والاستفادة بأكبر كم من المعلومات، بينما يعدها عدد أكبر من الناس تجربة مملة ووسيلة لتلقي المعلومات يمكن الاستغناء عنها بمشاهدة البرامج الوثائقية أو غيرها.

في هذا الإطار توجد حقيقتين ينبغي معرفتهما، الأولى أنه لا يمكن أبدًا الاستغناء عن القراءة واستبدالها بأي نشاط آخر، فالقراءة نشاط لا بد أن يمارسه الناس كبارًا وصغارًا، لما لها من أهمية سنتطرق لها فيما بعد. أما الحقيقة الثانية فهي أن الجميع يحب القراءة، نعم الجميع يحب القراءة، لكن هناك من لم يجد كتابه المفضل بعد، ذاك الكتاب الذي سيجعله ينتقي كتبه بحكمة. فكيف تكتسب مهارات القراءة؟

أهمية اكتساب مهارة القراءة

للقراءة سواءً أكانت روايات أو مجلات أو حتى كتب عادية فوائد عديدة، فهي توسع المدارك وتنمي العقل. فمن خلال القراءة يمكنك معرفة أي شيء عن كل شيء، أي موضوع ترغب في القراءة عنه ستجد كتبًا كثيرة تُخصص بعضًا من صفحاتها لشرحه.

سياحة العالم

من خلال القراءة ستتمكن من عيش حيوات أخرى، فالقراءة عن الزعماء والأعلام البارزون أو حتى قراءة الروايات تجعلك تعيش مع الأبطال وتتفاعل كما لو كنت أحد أطراف القصة. وبفضل القراءة وحدها وتحديدًا ما يطلق عليه “أدب الرحلات” ستذهب حول العالم في رحلات مختلفة لتكتشف عن البلاد ما لم تسمع به من قبل.

تعزيز اللغة وتنمية الخيال

من فوائد القراءة كذلك اكتساب المهارات اللغوية، فالقراءة تنمي القدرات اللغوية وتنمي القدرة على الكتابة والوصف بشكل أكبر، وتجعل اللسان أكثر فصاحة عن ذي قبل. إضافة إلى قدرة القراءة على تنمية الخيال والإبداع، فهي على عكس مشاهدة التلفاز تحتاج لتخيل الأحداث والشخصيات مما ينمي القدرة على الإبداع والخيال.

التمتع بصحة عقلية وجسدية

الحد من التوتر والقلق، تعد القراءة من وسائل الترفيه المطروقة بشدة إلا أنها أكثر من مجرد وسيلة ترفيه فهي إلى جانب فوائدها المتعددة، فإن الانغماس فيها يؤدي إلى تقليل التوتر والقلق مع منحك الراحة. هذا إلى جانب فوائدها الكبيرة على الصحة العقلية والجسدية فهي تعزز القدرة على النوم، فقراءة فصل أو فصلين من أحد الكتب قبل الخلود إلى النوم يساعد على تهدئة العقل والجسم والتخلص من التوتر بعد يوم شاق، مما يحسن نمط النوم العام، ويمكنك من الحصول على نوم عميق.

القراءة بين الماضي والحاضر

كيف بدأت القراءة؟ وأين؟ هذه الأسئلة ربما راودتك وأنت تقرأ هذا المقال، وربما تسائلت عن ذلك من قبل، القراءة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالكتابة. أول وأقدم كتابة في التاريخ هي الكتابة المسمارية التي أُخترعت في بلاد ما بين النهرين، واستخدمت في البداية لأغراض محددة مثل: حفظ المعاملات المالية وتسجيل القوانين.

ومع تطور القراءة والكتابة صدرت الأعمال الأدبية، وقد استخدم المؤرخ اليوناني “هيرودوت” منصة الألعاب الأوليمبية لقراءة أحدث أعماله وتوالت بعدها قراءات المؤلفين، وبعد ظهور المطابع انتشرت الكتب وتطور التعليم وأصبحت القراءة وسيلة أساسية للترفيه واكتساب المعارف.

ولم تكن القراءة بصمت شائعة كما هى الحال الآن، بل كان الشائع القراءة بصوت عال فكانت المكتبات قديمًا تضج بالأصوات المتداخلة الصاخبة. ومع زيادة المعرفة بالقراءة والكتابة وظهور علامات الترقيم وتحسينها، وتبسيط اللغة على العامة من الناس أصبحت القراءة بصمت هي القاعدة.

وفي القرن التاسع عشر أسس شقيقان أمريكيان شركة نشر ترسل الكتب عبر البريد، ومع اختراع أجهزة الكمبيوتر تطورت القراءة أكثر وأكثر إذ أصبح الوصول إلى الكتب أكثر سهولة، كونها اتخذت أشكالًا وتنسيقات مختلفة، كالكتب الإلكترونية kindle، والكتب الصوتية، أو كما كانت تعرف قديمًا بالكتب المسجلة أو الأقراص المضغوطة.

مع الوقت تعددت الكتب وتنوعت واختلفت، وأصبح بحوزتنا كم هائل من الكتب يناسب جميع الفئات من أول الرضع، حتى كبار السن، فلم تعد القراءة تقتصر على فئة معينة من الناس أو على أداء مهمات محددة للدولة.

تأثر القراءة بالتكنولوجيا الرقمية

تأثرت القراءة بالتكنولوجيا الرقمية كثيرًا، فالقراءة على عكس ما هو شائع ليست فعلًا يعتمد على البصر فقط، بل هي تجربة متعددة الحواس. وتحول القراءة من الورق إلى الشاشة لم يغير طريقة تصفح المقاطع المكتوبة وحسب، بل جعلنا نفتقر إلى الخبرة اللمسية، مما أدى إلى التأثير بدرجة كبيرة على الاهتمام الذي نكرسه لفعل القراءة. هذا غير الكثير من الملهيات على الشاشات في تجربة القراءة الرقمية مما يؤثر على التركيز والانتباه إلى ما نقرأ.

من الصعب التنقل والتوجيه عند القراءة على الشاشات بسبب النصوص التشعبية، فالمستخدم ينتقل من مكان إلى آخر بنقرة واحدة، حيث أن النص يكون ممتلئًا بالنصوص التشعبية، لكن قد يخفف من هذا الالتباس أن يكون لدى الفرد اهتمام كبير بالموضوع الذي يقرأ عنه، ومعرفة مسبقة به.

ويذكر أن الأشخاص الذين يقرأون نصًا خطيًا يتعلمون ويتذكرون ويفهمون أسرع من الأشخاص الذين يقرأون نصًا مليئًا بالروابط. كما أن القراءة على الشاشات تجعل من الصعب تصور المادة التي قُرأت، بالتالي لن تستطيع تذكر مكان المعلومة التي تبحث عنها بالضبط. فالمقالات الطويلة لا يتم تقسيمها إلى صفحات بل تظل عمودية مما يربك شعور القارئ بمكان المعلومات، والتمثيل الذهني من الضروريات للوصول إلى فهم أفضل لما نقرأ.

العادات القرائية الجيدة

نأتي الآن إلى السؤال المهم في هذا المقال وهو كيف تكتسب مهارات القراءة؟ كيف تصبح قدرتك على القراءة أكبر؟ كيف تقرأ مدة أطول وأسرع؟

مبدأيًا مهارات القراءة تتعلق بقدرة كل شخص على حدة على فهم النصوص التي يقرؤها، قد يحظى بعض القراء بقدرات قرائية استثنائية تمكنه من فهم واستيعاب ما يقرؤه بسهولة مما يمكنه من قراءة الكتب والانتهاء منها بوتيرة أسرع من غيره، وتمكنه من التواصل الكتابي (تبادل الرسائل) بشكل أفضل وتجنب سوء التفاهم الناتج عن القراءة الخاطئة.

لكن هل هذا يعني أنه لا يمكن تطوير مهارات قراءة للفرد؟ بالطبع لا، يمكن تطوير المهارات القرائية للفرد أو اكتسابها إن لم تكن موجودة عبر اتباع العادات القرائية الجيدة:

1. القراءة بانتظام

القراءة نشاط مثله مثل أي نشاط آخر ممارسته بانتظام تحولك من مجرد هاوٍ إلى محترف، لذا القراءة بانتظام وبغض النظر عن أي مهارات أخرى ستحولك من قارئ عادي إلى قارئ ذو قدرات قرائية عالية فبالممارسة المنتظمة سيتحسن معدل قراءتك.

2. القراءة لهدف بعينه

عند تحديد هدف معين وجعله نصب أعيننا يكون السعي خلفه أكثر سهولة، لذا تحديد هدفك من قراءة هذا النص أو ذاك سيكون وسيلة مميزة لتحفيزك دومًا لإكمال القراءة، خاصةً الأجزاء المتصلة بقوة بالهدف الذي تقرأ من أجله، كما أنه يساعد على تذكر ما تريد أن تتعلمه أو تتذكره من القراءة.

تحديد الهدف من القراءة عملية سهلة، كل ما تحتاج هو أن تسأل نفسك: لماذا أقرأ هذا؟ هل تريد قضاء وقت ممتع؟ هل ترغب في تحضير بحث علمي أو كتابة مقال؟ كتابة محتوى قيم لقناة؟ أو لتفهم مشاعرك والناس من حولك؟ أو ربما تقرأ لأنك تريد تطوير مهاراتك في القراءة.! اسأل نفسك دومًا ما الغرض من قراءة هذا النص لتصبح القراءة أكثر يسرًا وأكثر فائدةً بعد ذلك.

3. القراءة السطحية

خذ فكرة عامة عن الموضوع قبل التعمق في القراءة، اقرأ بتركيز العناوين الرئيسية وركز على الصور البيانية والرسوم التوضيحية -إن وجدت- وأعط الانتباه الأكبر للفقرات الرئيسية، فهذا يساعد على فهم الموضوع الذي أنت بصدد القراءة عنه بشكل أعمق. كما تعمل القراءة السطحية على تهيئة الذاكرة لاستيعاب المعلومات وتذكرها بشكل أسرع عند قرائتها في المرة الثانية، كما أنها تساعدك على إيجاد المحتوى المهم والتركيز عليه.

4. استعمال ميكانيكيات القراءة بشكل صحيح

تحتاج العيون للتحرك بطريقة معنية عند القراءة، فعند القراءة يجب الانتباه إلى ما يتم تثبيت العين عليه، فيجب أن تتحرك العين من نقطة تثبيت إلى أخرى بهدوء وبعناية، قد تكون عملية قراءة العناوين الرئيسية تؤذي هذه الجزئية إلا أنه يجب العودة إلى حالة الهدوء عند قراءة النص كاملًا.

ويجب ألا تثبت العين على حرف واحد أو حتى كلمة واحدة، بل يجب تثبيتها على عدة كلمات أو جملة كاملة وقرائتها كاملة حتى يسهل فهمها، وغالبًا ترجع المعاناة من صعوبة في فهم ما قُرئ، إلى أن القراء كانوا يركزون على الكلمات نفسها مما منعهم من ربط ما رأته أعينهم بما قرأوه سابقًا.

وهناك تكتيكات عند اتباعها تصبح القراءة بسرعة أمرًا يسير، وهي عمل تواصل بالعين مع النص كله، في كل تثبيت عين نركز على عدد من الكلمات دفعة واحدة، مع الحرص على توسيع عرض كل تثبيت عين. اجعل الأمر بالتدريج، اعمل خمسة تثبيتات أو ستة في السطر الواحد، كل تثبيته لكلمتين أو ثلاثة مثلًا، ثم قلل عدد التثبيتات بالتدريج واجعل مع كل تثبيته كلمات أكثر، وأغلق عينيك بين كل تثبيته وأخرى.

وكما ذكرنا سابقًا حدد الغرض الرئيس من القراءة فلو كان الغرض من القراءة هو تعلم المفردات أو دراسة القواعد فوقتها سيكون القراءة ببطء والتركيز على الكلمات هو التصرف الصائب.

5. تدوين الملاحظات

ابحث دومًا عن الكتاب الذي سيضيف جديدًا إلى معلوماتك، هكذا تزداد استفادتك من القراءة، حلل ما تقرأ، انقد وناقش ما تقرأه في دفتر منفصل، وذلك من خلال خطوات بسيطة هي:

  • حدد نوع الكتاب الذي تقرأه، والموضوع الذي يناقشه.
  • لخص ما يدور حوله الكتاب.
  • انقد النقاط التي تتفق أو تختلف فيها مع الكاتب.
  • ضع مراجعة اذكر فيها انطباعك العامة عند قراءة الكتاب، وأي آراء أخرى حول الموضوع الذي ناقشه الكتاب.

6. أخذ فسحات قصيرة بين جلسات القراءة

قد يشعر بعض القراء بعدم التركيز بعد فترة من بدأ القراءة وقد يظنون أن إجبار أنفسهم على الاستمرار في القراءة هو الفعل الصائب، لكن للأسف هذا تصرف خاطئ. كلما شعرت أن تركيزك بدأ يتضائل يفضل أن تأخذ فسحة قصيرة ثم تعاود القراءة من جديد.

7. البحث عن أدلة

إذا كنت تعمل مستقلًا ككاتب محتوى، أو لو كنت تدرس في مرحلة الماجستير، فالوقوف على كل كلمة لفهم معناها ومدلولها هو أمر سيستغرق وقتًا طويلًا وهذا أمر غير مرغوب خاصة لو كان في قائمتك عددًا ضخمًا من الكتب لتطلع عليها. لذا، عند التحدث عن القراءة السريعة فإن الوقوف على كل كلمة ومحاولة فهم مدلولها هو أمر غير صائب، ابحث في الجملة عن الكلمات المهمة التي تحوي جوهر الجملة، واقض وقتًا أقل في الكلمات التي لا تساعدك على الفهم، فهذا سيساعدك على فهم محتوى المقطع واختصار الوقت في آن واحد.

العادات القرائية السيئة

قد يمارس البعض عادة أو مجموعة من العادات القرائية الخاطئة دون أن يدري أنها تؤثر بقوة على سرعته في القراءة، بل وتؤثر كذلك على تدفق وانسيابية ما يقرأه، وعند التخلص من هذه العادات سيتمكن من التخلص من المشكلات المصاحبة لها مثل: بطء القراءة أو الشعور بالملل الذي يصاحب القراءة أحيانًا:

1. القراءة بصوت مرتفع

القراءة بصوت مرتفع لها فوائد منها تحسين النطق والإلقاء لكنها تبطئ من سرعة القراءة، لذا من الأفضل القراءة بصمت إذا كنت تريد الزيادة من سرعتك في القراءة، والتركيز على ما تقرأه.

2. تكرار قراءة المقطع

يميل بعض الناس عند القراءة بصمت -أو حتى بصوت مرتفع- إلى ترديد ما قرأه في أذهانهم مرة أخرى للتأكد من حصولهم على المعلومات الصحيحة، لكن من الأفضل أن تقرأ بصمت وألا تكرر ما قرأت مرة أخرى في ذهنك، فهذا يساعدك على تدفق قرائتك، واستيعاب ما تقرؤه.

3. التحرك في أثناء القراءة

يخطئ البعض عندما يحركون رؤوسهم من اليمين إلى اليسار مع كل سطر وهم يقرأون فهذا يبطئ من سرعتهم في القراءة، والأفضل أن تكون الرأس ثابتة وأن تتحرك العيون فقط.

4. القراءة في أماكن ضوضاء

من الأفضل دومًا البحث عن الأماكن الهادئة للقراءة، كالمكتبات والغرف الهادئة في المنزل حيث أن التركيز فيما تقرأ أمر مهم جدًا لتخرج بأكبر كم من الاستفادة، كما أن التشتت يعد مصدر إلهاء لابد من القضاء عليه، وذلك بالقضاء على مصادر التشتت. ضع الهاتف بعيدًا عن متناول يدك مع إطفاء إشعاراته، والابتعاد عن الأماكن التي يتواجد بها التلفاز أو الحاسب.

ولو كان لابد من الجلوس في أماكن فيها ضوضاء فإن الاستعانة بالموسيقى بدون كلمات سيكون حلًا مميزًا للمساعدة على التركيز.

تم النشر في: تطوير المهارات