5 نصائح عن التعلم الذاتي

أحدثت الإنترنت والوسائط المتعددة ثورةَ معلوماتٍ شاملةً في السنوات الأخيرة، فغيّرت طريقة تعاطينا مع المعرفة وأصبحت المعلومة متاحة أكثر من أي وقت مضى، الأمر الذي جعل التعلم الذاتي ملاذًا آمنًا لمن استطاع استغلال الفرصة للرفع من مهاراته الحياتية والعملية.

إن نظرنا بتمعن فإن كثيرًا من المهارات والقدرات التي يمتلكها الأشخاص هي نتيجة لعملية تعلم ذاتية غير واعية ولا مقصودة، حيث يكتسب أحدنا قدرات خاصة انطلاقًا من البيئة التي يعيش فيها والتجارب التي يمر بها. يشير التعلم الذاتي إلى طريقة في اكتساب المعرفة تحدث خارج الجدران المغلقة للقاعات الدراسية، وبدون تدخل دائم من معلم أو أستاذ يتحكم في اتجاه تدفق المعلومات؛ فالطالب هو من يأخذ زمام المبادرة بالبحث عن المعلومات وترتيبها وربط العلاقات بينها.

سنعرض في هذا المقال خمس نصائح تساعدك في التعلم الذاتي على نحو فعّال، وتعينك في الحصول على أكبر قدر من الاستفادة خلال مسارك التعليمي المتجدد، ولنبدأ بذكر أهم الإيجابيات التي يتحصل عليها الشخص ذاتي التعلم.

إيجابيات التعلم الذاتي

1. تنمية المهارات الخاصة بحل المشاكل

ستواجه أثناء متابعة البرنامج التعليمي أو التدريبي الذي رسمته لنفسك الكثير من العراقيل والمشاكل غير المنتظرة، التي عليك مواجهتها. فلنفرض أنك وضعت خطة لتعلم البرمجة وتصميم مواقع الويب وبدأت في تنفيذها؛ ستجد خلال مسارك الدراسي أنك بحاجة إلى تنظيم وقتك حتى تستطيع متابعة التعلم دون أن يؤثّر ذلك على وقت العمل أو الدراسة النظامية. قد لا يكون تنظيم الوقت ومواجهة الأمور الطارئة ووضع خطط لها جزءًا أصيلًا من خطة تعلم البرمجة التي وضعتها، ولكنّه أثر جانبي حميد يستفيده الشخص من مساره في التعلم الذاتي.

 2. التعلم بضغوط محدودة

توجد الكثير من العوامل الضاغطة في مسارات التعلم النظامي التي يمكن التخلص منها عندما تتعلم على نحو مستقل، إذْ أن التعلم الذاتي يركّز على اكتساب المعرفة أكثر من تركيزه على مُخرَجاتها، المتمثلة عادة في التجاوز أو الحصول على الشهادة. عندما تتعلم ذاتيًا فالإنجاز الأكبر ليس الحصول على أعلى الدرجات في الامتحان، بل الحصول على المعلومات التي ترضي شغفك، واستخدامها في ما بحثت عنها من أجله. علاوةً على ذلك، فأنت من يحدّد مالذي تريد تعلمه، ومتى يكون ذلك، وكيف يتم. ترسل الأهداف المسبقة التي يضعها المتعلم ذاتيًّا إشارات إلى الدماغ مما يساعده في اكتشاف المعلومة المناسبة واستيعابها بطريقة أسرع.

3. الحصول على مهارات شخصية أثناء عملية التعلم

يوجد سببان رئيسيان يدفعان الأشخاص إلى التعلم مدى الحياة: التطور الشخصي والتطور المهني. ليس بالضرورة أن يكون السببان منفصلين، لأن التأثير متبادل بين الاثنين، فالتطور الشخصي يفتح الباب واسعًا أمام فرص التقدم المهني، والتطور المهني يحفز التطور الشخصي.

يقوم التعلم الذاتي على مبدأ أن المتعلم هو من يحدد أهدافه الخاصة، ثم يسعى للوصول إليها بالطريقة والكيفية اللتين يراهما مناسبتين. ستدرك مع الوقت والاستمرار في التعلم  أنك أصبحت تعرف ما تريد على مستوى أكثر دقة، وأن خبرتك في تحديد الأهداف تزداد. ينعكس التعلم الذاتي كذلك إيجابًا على تقدير الشخص لذاته، فرسم الأهداف والوصول إليها يرفع من ثقة الشخص بنفسه،  كما أن نجاح التعلم الشخصي المستقل يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالالتزام؛ ومع الوقت وتكرار العملية يكتسب المتعلم هذه المهارة الحياتية المهمة، وتصبح معرفته بنفسه وبما يقوم به أعمق.

4. القدرة على التعلم مدى الحياة

يظن كثيرون أن التعلم يتوقف بالتخرج أو الدخول في الحياة النشطة، حتى إن لم يكن ذلك اعتقادهم فإنهم عمليًا يتوقفون عن اكتساب مهارات جديدة بمجرد الانتهاء من التمدرس، فتنخفض تدريجيًا مع الوقت قابلية التعلم لديهم ويجدون أنفسهم حبيسين لمعارفهم الأولى التي قد لا تكون مناسبة للتطور الحاصل في الحياة من حولهم. تظهر الدراسات العلمية أن التدريب الذهني المستمر يساعد في الحفاظ على مهارات التحليل والتفكير لدى الأشخاص مع تقدمهم في العمر. يعني هذا أن التعلم الذاتي وسيلة ناجعة للحفاظ على اللياقة الذهنية والقابلية للتعلم مدى الحياة.

نصائح من أجل تعلم ذاتي فعّال

يتطلب التعلم الذاتي الكثير من الانضباط ويمكن أن يمثّل اختبارًا حقيقيًا لقدرة الشخص على الالتزام؛ إلا أنه من التجارب المثيرة في حياة الإنسان. في ما يلي خمس نصائح تساعد في نيل أقصى الاستفادة الممكنة من مسارك التعليمي.

1. استعد وليكن الفضول محركك

لن تستطيع تعلم ما لا ترغب في تعلمه، هذا أمر مفروغ منه، لذا اجعل من اهتماماتك الدليل الذي تتبعه من أجل النجاح في التعلم الذاتي. ينبغي في هذا الإطار أن تعرف ما الذي ما تريد تعلمه، ولماذا هذا الموضوع أو ذاك مهم بالنسبة لك. يحتاج التعلم الذاتي للكثير من التحفيز الداخلي للإبقاء على الاستعداد، والالتزام بالهدف المنشود. إن كان لديك اهتمام جزئي بموضوع ما، فمن الجيد أن تبدأ في أقرب فرصة فربما يزداد اهتمامك بالموضوع وتجد نفسك تستمتع بمتابعته.

سيكون التعلم أسهل بكثير إن تسلحت بالفضول للانطلاق، والصبر للمتابعة والاستمرار، فعدم وجود برنامج موضوع مسبقًا لمتابعته يعني غياب التحكم في تدفق المعلومات إليك، مما يعني الكثير من المصطلحات الجديدة في آن معًا، ومعلومات كثيرة تبدو للوهلة الأولى غير مترابطة.

2. ضع أهدافًا ذكية

بعبارة أخرى، حدد ما تريد. سيكون من العبث الانطلاق دون معرفة الغاية والهدف مما أنت مقبل عليه. وضع الأهداف هو أساس النجاح في الحياة، ويتأكد الأمر أكثر عند الحديث عن التعلم. تساعد الأهداف في التركيز وعدم تشتت الانتباه في اتجاهات لا نهاية لها، وتمنح الحافز للتغلب على داء المماطلة والتأجيل.

يجب أن تستجيب الأهداف للمعايير التالية حتى تكون الاستفادة منها قصوى، وتستحق بالتالي تسمية الأهداف الذكية.

  • التحديد: الهدف الذكي واضح غير غامض. يتطلب هذا المعيار فهما حقيقيًا لمحفزاتك الذاتية.
  • القابلية للقياس: بمعنى أنه يمكن مقارنة ما وصلت إليه وما تريده، والتصرف حسب بعدك عن الهدف.
  • القابلية للتحقيق: إن وضعت أهدافًا سهلة للغاية، فلن يكون هناك محفز كاف للمواصلة، أما إن كانت الأهداف صعبة المنال فسيزيد ذلك من إمكانية التخلي عن تحقيقها. حاول أن تكون أهدافك في نقطة توازن بين الحالتين.
  • الصلة الوثيقة بما تريد تعلمه.
  • التوقيت: الهدف الذكي مؤقت زمنيًا، وإلا فإن التسويف سيقضي على الحافز للتعلم.

توجد أدوات وتطبيقات تساعدك في وضع أهداف ذكية وتحقيقها.

3. كن منهجيًا في البحث عن المعلومة

العثور على معلومات عن الموضوع قيد الدراسة من أهم الخطوات في التعلم الذاتي، وإن لم تكن منهجيًّا فستجد أنك تأخذ من هنا وهناك دون أن توجد علاقات واضحة تربط بين المعلومات لتكوين معرفة يُعتمَد عليها عن الموضوع. في ما يلي خطوات منهجية للتعامل مع مصادر المعلومات.

  • تعلم الأساسيات: ابدأ بالبحث عن ما تريد تعلمه عبر محركات البحث. ابحث بدايةً عن المقالات غير المتخصصة التي تقدم نظرة شاملة عن الموضوع، مثل مقالات ويكيبيديا والتدوينات الشخصية لخبراء في المجال.  ليس ضروريًّا أن تفهم كل شيء في هذه المرحلة، كما أنك قد تحتاج لإعادة قراءة مقال أكثر من مرة لاستيعابه، لذا تأكد من وضع جدول لمراجعة النقاط غير الواضحة.
  •  تصفح الكتب: احتفظ خلال تعلم أساسيات الموضوع بأسماء المؤلفين والمواضيع التي يكثر تكرارها والحديث عنها، وعندما تصبح لديك فكرة جيدة عن الموضوع انتقل إلى البحث عن الكتب. قد تكون الكتب الموجَّهة للأطفال والمراهقين وسيلة مناسبة للحصول على معلومات قيمة بشرح أسهل وأسلوب غير معقد.
  • الاحتفاظ بالمراجع: ستجد مع ازدياد معرفتك بالموضوع أن هناك مواضيع متقدمة أصعب نسبيًّا من البقية، وأن هناك كتبًا أو منشورات متخصصة تجمع الكثير من المعلومات التي لا تتوفر في غيرها، احتفظ بها وراجعها بعد مدة.

4. طبّق المهارات المكتسبة للمحافظة عليها

لا تحتفظ ذاكرة الإنسان  بكثير مما يتعلمه، فتبدأ المعلومات بالتبخر مع مرور الوقت. تشعر في البداية، عندما تكون المعلومات طازجة، أن بإمكانك استغلال المعرفة التي تحصلت عليها من التعلم الذاتي في أي وقت، إلا أن الواقع يخالف ذلك. يساعد تطبيق ما تعلمته في تثبيت فهم أعمق للمعلومات وربطها في ما بينها، كما أنه يُحوّل المعرفة المكتسبة إلى مهارة لا يتطلب منك استخدامها جهدا كبيرا. عندما يبدأ الشخص  تعلم السياقة فسيتطلب منه ذلك بداية الكثير من التركيز والجهد، فتجده حريصًا على الانتباه لكل حركة يفعلها، ومع الوقت تصبح الكثير من تلك الحركات مجرد عادة، فتصبح القيادة سلسلة والجهد الذهني أقل.

تقترح الكتب والمواقع الإلكترونية تمارين واختبارات يمكن أن تكون وسيلة لتطبيق المعارف المكتسبة؛ إلا أن الطريقة الأفضل لتطبيق ما تعلمته تبقى إنجاز شيء ملموس. إن تعلمت للتو برمجة مواقع الويب فأنسب ما تفعله هو إنشاء موقع بنفسك، وأفضل ما تقوم به أثناء تعلم لغة أجنبية هو التحدث والكتابة بها، كما يمكنك إنشاء مدونة والكتابة فيها عما تعلمته، فإعداد التدوينات للنشر يساعد على ترتيب المعلومات في ذهنك والاحتفاظ بها لمدة طويلة.

5. تواصل مع الخبراء والمهتمين

كان المتعلمون عن بعد (عبر المراسلة) يعانون من الوحدة وقلة من يتشارك معهم المواضيع التي يهتمون بشأنها، إلا أن الأمر تغير كثيرًا بظهور تقنيات الاتصال، ومن بينها شبكات التواصل الاجتماعي.

يعد تشارك المعرفة من أفضل الموارد التي يمكن الاستفادة منها لتعميق الفهم واكتساب معارف جديدة، فالنقاش والمجادلة المعرفية يُخرِج أفضل ما يملكه المتعلم ويكشف مواطن القصور في الفهم للتغلب عليها. لهذا السبب فإن جمعيات الخبراء والمتعلمين، مهما كانت الصيغة (قائمة بريدية، مؤتمر، مجموعة إلكترونية، …إلخ.) إضافة نوعية لمسار التعلم الذاتي، فهي جوهرية لتوسيع المعارف في المجالات التي يهتم بها الشخص، كما أنها قد تشد انتباهه إلى مجالات ومواضيع جديدة.

تم النشر في: تطوير المهارات